وأما الثاني: وهو القتل، فالجواب عنه أن الكفارة في المسألة المذكورة في مقابلة تفويت النفس المؤمنة، وليست في مقابلة معصية، حيث أقدم على القتل بدليل إيجابها في قتل الخطأ، وإذا لم يكن في مقابلة المعصية، فيشرع التعزير زجرًا للإقدام عليها.
قوله: ويجوز التعزير بالحبس.
ثم قال: ومدة الحبس إذا رآه هل تتقدر؟ قال أبو عبد الله الزبيري من أصحابنا: نعم تتقدر بشهر للاستبراء والكشف، وبستة أشهر للتأديب والتقويم، وغيره لم يقدرها. انتهى كلامه.
وما ذكره- رحمه الله- من أن غير الزبيري لم يقدرها ليس كذل، فإن الشافعي قد صرح بتقديرها بما دون السنة، فقال في ((الأم)) في باب من لا قصاص بينهم لاختلاف الدين ما نصه: قال الشافعي: وإذا قتل المؤمن الكافر عزر، ولا يبلغ في تعزيره في قتل ولا غيره حدًا، ولا يبلغ بحبسه سنة، ولكن حبس يتنكر به وهو ضرب من التعزير، هذا لفظه بحروفه، ومن ((الأم)) نقلته، وهي فائدة جليلة، وحكمها متجه منقاس، فإن الشارع جعل تغريب السنة واجبًا في حد الزنى، والحبس في معناه وأشد منه، فوجب أن يكون التعزير به ناقصًا عنه على قياس سائر التعازير، وعذر المصنف وغيره من الأصحاب ممن تنشط فيطالع ((الأم)) في عدم وقوفهم على هذا النص كونه مذكورًا في غير مظنته، وقد ذكر المصنف في باب قطع الطريق أنه إذا وقع قبل أن يأخذ المال، عزر بالحبس أو بغيره.
ثم قال: وفي تقدير الحبس وجهان:
أحدهما: لا، بل يعتبر فيه ظهور التوب.
والثاني: نعم، لأنه قد أقيم في الحرابة مقام الحد، وعلى هذا فقال الزبيري: يتقدر بستة أشهر كيلا تزيد على تغريب الزنى في حق العبد.
وقال ابن سريجة: يقدر بسنة.
قوله: ويجوز للإمام النفي في التعزير، كما قاله الماوردي، وأن ظاهر مذهب الشافعي- رضي الله عنه- أن مدته مقدرة بما دون السنة ولو بيوم، كي لا يصير مساويًا للتغريب، وكذا صرح به في ((الإشراف)) عن قول الشافعي، وقد أشار الإمام إلى تضعيف هذا القول في ((الغياثي)) وإن لم يحكه، بأن التغريب بعض الحد، فلو غرب في التعزير مدة سنة لم نكن قد بلغنا به الحد. انتهى كلامه.
وهذا النقل عن ((الإشراف)) و ((الغياثي)) غلط، فإنهما لم يذكرا ذلك في النفي،