وظاهرُ قولِه في المدونة: لا يُتوضأ بما قد تُوُضِّئَ به مرةً. دخولُ الأوضيةِ المستحبةِ، وقد عُلِّلَتِ [٢/ب] الكراهةُ في هذه المسألةِ أو المنعُ بأوجهٍ غيرِ ما قاله المصنفُ:
الأول: أنه أُدِّيَتْ به عبادةٌ، الثاني: لكونه أزال المانعَ، الثالث: لكونه لا تُعلم سلامتُه من الأوساخِ.
قال القرافي في الذخيرة: قال بعض العلماء: وعلى الأوَّلَيْنِ تَجوز الرابعةُ بلا إشكالٍ، ويُنظر على التعليلِ الثالثِ هل كان نظيفَ البَدَنِ أم لا؟ وعلى الثاني: يَجوز المستعملُ في الأوضيةِ المستحبةِ، والعكسُ في غَسْلِ الذِّمِّيَّة، انتهى.
الرابع: أنه قد ذهبتْ قوتُه في عبادةٍ فلا تُفْعَلُ به أُخْرَى.
الخامس: لأنه ماءُ الذنوبِ.
السادس: لأنه لم يُنقل عن السلفِ جَمْعُ ما سَقَطَ مِن الأعضاء واستعمالُه مع كونهم بالحجازِ والماءُ قليلٌ.
وفي كل هذه التعاليلِ المذكورةِ إشكالٌ لا يَخفى عليك. وذَكَرَ سندٌ أنَّ مشهورَ المذهبِ كراهةُ استعمالِ ماءٍ استُعْمِلَ في الحَدَثِ فقط دونَ التجديدِ. فقد قال في المدونة في الجنبِ يغتسلُ في القَصْرِيَّةِ: لا خَيْرَ فيه. وقال في الطاهِرِ: لا بأسَ به. وهذا يُوافق كلامَ ابنِ الحاجبِ، لكن ما ذكره سندٌ إنما يأتي على أحدِ التأويلاتِ، وقد ذَكَرَ عياضٌ في هذه المسألة ثلاثةَ تأويلاتٍ:
أحدُها: أنَّ قولَه في القصرية: لا خير فيه. محمولٌ على أنه دَخَلَها قبلَ غسلِ ما به مِن الأذى، وذكره ابنُ أبي زَمَنِينَ عن بعضِ شيوخِه.
ثانيها: أن جوابَه قَبْلَ الفِعْلِ، فلذلك شَدَّدَ ابتداءً عليه لما وَرَدَ مِن النهيِ عن الاغتسالِ في الماءِ الدائمِ. ولو سُئل عَمَّن فَعَلَ ذلك لكان جوابُه فيها كجوابِه في مسألة الحوضِ، أنه إِذا غسل ما به من الأذى وإِلَّا أَفْسَدَها، ذكره عن بعضِ الشيوخِ.