الجيم من (مُوجَبَاتُ الْجِرَاحِ) مفتوحة؛ أي: الأمور التي توجبها الجراح، والجراح بالكسر جمع جراحة، فيقال: جره جرحاً، والاسم: الجرح بالضم، والجمع جروح، فلم يقولوا: أجراح، إلا ما جاء في الشعر، قاله الجوهري وصاحب المحكم، وجرحه يجرحه جرحاً إثر هذا بالسلاح، وعلى هذا فالجرح اللغوي يشمل القتل وما دونه، وعلى هذا مشى المصنف؛ لكونه جعل الكفارة من موجبات الجراح؛ وهي إنما تجب في النفس، لكن المتبادر إلى الاصطلاح من الجروح هو ما دون النفس؛ لقوله تعالى:{وَكَتَبّنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إلى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٍّ}[المائدة: ٤٥] وحفظ النفس المجمع عليها في كل ملة [٦٩٥/أ]، وهي النفوس والأديان والعقول والأعراض والأموال، ومنهم من يذكر الأنساب عوض الأموال، قال تعالى:{وَلَكُم فِي الْقِصَاصِ}[البقرة: ١٧٩] فقيل: الخطاب للورثة؛ لأنهم إذا اقتصوا قد سلوا وحيوا بدع شر هذا القاتل الذي صار عدواً لهم بالقتل. وقال بعضهم: الخطاب للقاتلين؛ أي: الجاني إذا اقتُصَّ منه فقد امتحى إثمه فيبقى حياً حياة معنوية، وعلى هذين القولين لا إضمار، وقيل: الخطاب للناس، والتقدير: ولكم في مشروعية القصاص حياة؛ لأن الشخص إذا علم أنه يُقتص منه انكفَّ عن القتل، ويحتمل ألا يكون في الآية على هذا تقدير، ويكون القصاص نفسه فيه الحياة، أما غير الجاني لانكفافه، وأما للجاني للسلامة من الإثم، وبالجملة فالدماء خطيرة القدر في الدين، وأدلة الشريعة من الكتاب والسنة متواترة على ذلك.
الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ
لما ذكر أن موجبات الجراح خمسة، شرع في الكلام على الأول، فإن قيل: ثم قسم ثالثاً وهو الجراح، فالجواب: أن الطرف الناحية من النواحي، قاله الجوهري، فالجرح إن كان في الظهر أو في الوجه أو غر ذلك من الجراح، فهو طرف للجسم تلك الجهة.