لما تكلم على القتل والجراح اللذين يكون عنهما إذهاب النفس الذي هو من أعظم الذنوب في حق الآدميين، اتبع ذلك بالجنايات الموجبة إما لسفك الدماء ولما دونه، والجناية هي ما يحدثه الرجل على نفسه أو غيره مما يضر حالاً أو مآلاً، ثم هي منحصرة في الاصطلاح في هذه السبعة، وبدأ فيها بالبغي لأنها أعظمها مفسدة، إذ فيه إذهاب الأموال غالباً، وعقبه بالردة لأنها وإن كانت في الدين إلا ان مفسدها، وعقبه بالزنى؛ لأن مفسدته تقضي إلى إتلاف النفوس بواسطة عدم معرفة الأب الذي يقوم بمصالحه، وأعقبه بالقذف لتعلقه بالأنساب، وأما السرقةوالحرابة فالمفسد فيهما إنما هو إتلاف الأموال وهو أضعف، وكان ينبغي على هذا تقديم الشرب؛ لأن مفسدته ذهاب العقل، إلا أن يقول لم يكن الحد فيه منصوصاً عن الشارع، وقيساً على القذف أخره لذلك.
الجوهري: البغي: التعدي، وقال عياض وابن العربي: هو الطلب إلا أنه مقصور على طلب خاص، وهو أن يبتغي ما لا ينبغي ما ابتغاؤه، وهذا معنى كلامهما، وفي اصطلاح الفقهاء: الخروج عن طاعة الإمام يبتغي خلعه، أو يمتنع من الدخول في طاعته، أو يمنع حقاً وجب عليه بتأويل، وأخرج المصنف الخروج عن طاعة غير افمام من غير مغالبة فإن ذلك لا يسمى بغياً، فإن قيل قوله:(الْخُرُوجُ) لا يصدق إلا على من دخل وذلك غير شرط؛ إذ لا يشترط في انعقاد الولاية كل واح، قيل: قد يجاب عنه بأنه أراد الخروج عما وجب عليه شرعاً، وهو أعم من أن يكون دخل فيه أم لا.