قوله:(الْمُوجِبُ) أي: للحد، واحترز بالمسلم من الكافر وبالمكلف من الصبي والمجنون، وأسند السكر للجنس؛ ليدخل القليل؛ لأنه وإن لم يسكر فجنسه سيسكر، واحترز بالمختار من المكره، ولغير ضرورة من المضطر إلى إساغة، وبلا عذر ممن يشرب خمراً يسقى ماءً ونحو ذلك.
فَيَجِبُ بالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ
الضمير في (يَجِبُ) يعود على الوجب وهو الحد؛ لأن الموجب المتقدم يدل عليه، ونبه بهذا على قول الحنفية أنه لا يحرم القليل الذي لا يسكر إلا من ماء العنب، ولنا ما رواه مسلم أن عمر رضي الله عنه خطب على منبره عليه الصلاة والسلام وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: ألا وإن الخمر نزل تحريمها يوم نزل وهي من خمسة أشياء: من الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والعسل، والخمر ما خامر العقل. وفي الترمذي: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ"، وقال: حسن غريب، وفي مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٌ حَرَامٌ، مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ مُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ".
فإن قيل: المسكر حقيقة ما حصل عنه السكر، قيل: لا نسلم، وما يذكر في أصول الفقه من اشتراط حصول المعنى في كون المشتق حقيقة إنما هو إذا كان المشتق يحكم به، وأما إذا كان متعلق الحكم فلا، ولوسلم فينقض بالخمر، وأما استدلالهم بما رواه البزار