قال الأزهري: القضاء في اللغة على وجوه، مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه.
وقال الجوهري: القضاء: الحكم.
وعلم القضاء وإن كان أحد أنواع الفقه، إلا أنه يتميز بأمور لا يحسنها كل الفقهاء، وقد يحسنها من لا باع له في الفقه، وهو كالتصريف من علم العربية، فإنه ليس كل النحاة يعلم التصريف، وقد يحسنه من ليس له باع في النحو، وإنما كان فرضاً، لأنه لما كان الإنسان لا يستقل بأمور دنياه، إذ لا يمكن أن يكون حَرَّاثَاً طَحَانَاً خبازاً إلى غير ذلك من الصنائع المفتقر إليها، احتاج إلى غيره، ثم بالضرورة قد يحصل بينهما التشاجر والخصام لاختلاف الأغراض؛ فاحتيج إلى من يفصل تلك الخصومات، ويمنع بعضهم من غرضه، فلهذا وجب إقامة الخليفة، لكن نظر الخليفة أعم إذا جد ما ينظر فيه القاضي، ولما كان هذا الغرض يحصل بواحد وجماعة كان فرض كفاية؛ لأن ذلك شأن فروض الكفاية.
فَإِذَا انْفَرَدَ بِشَرَائِطِهِ تَعَيَّنَ
أي: إذا انفرد شخص بشرائطه تعين قبوله للقضاء، ولم يجز له الهروب منه، ووجب على الإمام توليته. قال مالك: ويجبر عليه إذا تعين، قيل له: الجبر بالضرب والحبس، قال: نعم، ومثله لابن شعبان، وقد ذكر ابن سحنون أن الإمام أقام حولاً يجبر أباه على القضاء حتى تخوف منه، فحينئذ قبل.
وإذا كان القضاء فرض كفاية وقد تعين كانت منزلته عظيمة؛ أعني: بشرط أن يعن القاضي على الحق كما كان في الصدر الأول، وأما إذا لم يعن عليه وربما أعان من ولاه عليه لبلوغ هواه.