(التَّيَمُّمُ) لغةً القصدُ، وشرعاً طهارةٌ تُرابيةٌ تشتمل على مسح الوجهِ واليدين، وتعذرُ الاستعمالِ على المريضِ مِن جهةِ عدمِ الماءِ، أو عجزِه عن استعمالِه، [٢٩/ أ] وعلى المسافرِ من جهةِ عدمِ الماءِ.
والتعذرُ- بمعنى تعذرِ الاستعمالِ- هو مصطلحُ الفقهاءِ. فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المرادُ بالتعذرِ فيها التعذرَ مِن جهةِ العدمِ لتكونَ لفظةُ التعذرِ مستعملةً في معنى واحدٍ، وتكون فيه إشارةٌ إلى قوله تعالى:{وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً}[النساء:٤٣]؟ فجواُبه أن المصنفَ لما فَسَّرَ التعذرَ فقال: ويتعذرُ بعدمِه، أو ما يتَنَزَّلُ منزلةَ عدمِه، وذكر في القسمِ الثاني عجزَ المريض مِن جهةِ الاستعمالِ - منع مِن حَمْلِه على ما ذكرتَ، فإن قلت: فإذا كان كذلك، فلا يصحُّ الاتفاقُ؛ لأن المريض إذا عَجَزَ عن الاستعمالِ تارةً يَخَافُ على نفسِه وتارةً على ما دُونَها، والأَوَّلُ لا خِلَافَ فيه، والثاني فيه الخلافُ كما سيأتي. فالجوابُ أنَّ المرادَ به متفقٌ عليه في الجملةِ، والله أعلم.
منشأُ الخلافِ هل تتناول الآيةُ الحاضِرَ، أو هي مُخْتَصَّةٌ بالمريضِ والمسافرِ، وذلك لأن الله تعالى قال:{وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً}[النساء: ٤٣] فإن حملنا {أو} على بابِها فيكون قوله تعالى: {أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِنكُم مِّنَ الْغَآئِطِ أَوْ لَمَسْتُمُ الْنِّسَآءَ}[النساء: ٤٣] مطلقاً لا يَختص بمريضٍ ولا بمسافرٍ، وإن جعلناها بمعنى الواو خصَّتِ المريضَ والمسافرَ، لأن التقديرَ: وإن كنتم مرضَى أو على سفرٍ وجَاءَ أحدٌ منكم من الغائطِ. والْمَشْهُورِ أظهر؛ لحَمْلِ أَوْ على حقيقتها.