ابن عبد السلام: فينقلب ذلك الواجب محرماً نسأل الله السلامة في الدين والدنيا، وبالجملة: إن أكثر الخطط الشرعية في زماننا أسماء شريفة على مسميات خسيسة انتهى.
ولهذا كان الأولى الهروب عن خطة القضاء ما لم تتعين. ولخطر هذه الخطة قال أصحابنا: إذا عين الإمام رجلاً للقضاء وَثَمَّ مَنْ يصلح غيره جاز له الاستعفاء والهروب، بخلاف سائر فروض الكفاية؛ فإنه إن عين بعضهم لم يجز الهروب، كما لو عين طائفة لقتال العدو فإنه يتعين في حقها.
وَخَرَّجَ النسائِيُّ عن بُرَيْدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"القضاة ثلاثة؛ اثنان في النار وواحد في الجنة؛ رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار" والتقسيم في الحديث إنما هو باعتبار الأنواع فربما لم يوجد من النوع إلا شخص واحد، ويوجد من الآخر آلاف وَخَرَّجَ النسائي من حديث عثمان الأخنسي، ووثقه يحيى ابن معين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين" وفي رواية: "من استعمل على القضاء فكأنما ذبح بالسكين".
وقال أصحابنا: وقد يجب طلب القضاء، وقد يستحب، وقد يحرم، ويكره.
فيجب إذا كان من أهل الاجتهاد والعدالة ولا يكون هناك قاض، أو يكون ولكن لا تحل ولايته، أو يعلم أنه إذا لم يتول تضيع الحقوق ويكثر الهرج.
ويستحب إذا كان عالماً خفي علمه عن الناس فأراد أن يشهره بالقضاء؛ لِيُعَلِّمَ الجاهل ويفتي المسترشد، أو يري أنه أنهض وأنفع للمسلمين من غيره.
ويحرم على الجاهل ومن طلب به اكتساب دنيا، ويكره إذا كان عدلاً مشهوراً ينفع الناس بعلمه، وخاف إن تولى القضاء إلا يقدر على ذلك.