وقوله:(فِي الْمَسْجدِ) أي: الحرام. وقوله:(إِلَى رضوَاحِ الْمُصَلِّي,,,إلخ) يعني: وفي محل قطع التلبية ثلاث روايات:
الأولى لابن القاسم في المدونة: إذا زالت الشمس وراح إلى الصلاة وهي التي رجع إليها مالك. قال في المدونة: وثبت مالك على هذا وعَلِمنا أنه رأيه. قال: لا يلبي الإمام يوم عرفة على المنبر ويكبر بين ظهراني خطبته. ابن الجلاب متمماً لهذه الرواية: إلا أن يكون أحرم بالحج من عرفة فيلبي حتى يرمي جمرة العقبة انتهى.
ابن المواز: والعبد يعتق بعرفة فيُحْرِم ويلبي لأنه لا يكون إحرام إلا بتلبية، ثم يقطع التلبية مكانه. وكذلك النصراني يسلم. وذكر الباجي ما ذكره ابن المواز عن مالك. وذكر ابن الماجشون أن العبد والحر إذا أحرما من عرفة يلبيان لجمرة العقبة.
الثانية لأشهب: إذا راح إلى الموقف واختاره سحنون. ثم الغالب في زماننا نداخل هاتين الروايتين لأنهم يصلون في موضع الوقوف ويتركون السُنَّة وهي الصلاة بمسجد عرفة.
الثالثة لمحمد بن المواز: يقطعونها إذا زالت الشمس. قد علمت من كلامنا أن الأولى من الروايات راجعة إلى الأول من الرواة، والثانية إلى الثاني، ووجه في البيان الأولى فقال: وإلى عرفة غاية التلبية؛ لأن منها دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام الناس، ومن حكم المدعو أن يجيب الداعي حتى يصل إليه، ولا وجه لإجابته إياه إذا انصرف عنه.
قال بعضهم: وعليه إجماع أهل المدينة. ابن محرز: وكان أبو علي بن خلدون يذهب إلى أن الروايات الثلاثة ترجع إلى قول واحد ويقول: إن رواحه إلى المسجد ورواحه إلى الموقف لا يكون إلا بعد الزوال. والصواب: أنها ترجع إلى قولين؛ لأن رواح الناس إلى الموقف بعد الصلاة في المسجد انتهى.