فإن كان قد تَبَاعَدَ وجَفَّ وُضوؤه وكان متعمداً فثلاثةُ أقوالٍ: الأولُ: يُعيد الوضوءَ والصلاةَ. والثانى: لا يُعيدهما. وهو قولُ مالك في المدونة. والثالث: يُعيد الوضوءَ فقط. وهو قولُ ابن حبيب.
والأَوَلانِ مَبْنِيَّانِ على الخلافِ في تاركِ السننِ متعمداً, وأما الثالثُ فرأي أنه يُعيد الوضوءَ لبقاءِ حُكمِه بخلافِ الصلاةِ؛ لانقضاءِ أمرِها.
وقوله: (فَإِنْ بَعْدَ) أي: وكان ناسياً (فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعيد الْمِنكِّسُ خَاصَّةً) ظاهرُ التصورِ. (وَقِيلَ: يُعيدهُ وَمَا بَعْدَهُ) وهو قولُ ابن حبيب.
فلو بَدَأَ بيديه, ثم بوجهِه, ثم برأسِه, ثم برجليه فعَنِ ابنِ القاسم: يُعيد ما تقدَّم مِن غَسْلِ ذراعيه, وَلا يُعيد ما بَعْدَه كما لو تَرْكَ غسلَهما ناسياً حتى طال. وعند ابن حبيب: يَغسل ذراعيه, ثم يَمسحَ رأسِه, ثم يَغسل رجليه؛ لأنه إذا لم يُعِدْ مسحَ رأسِه وغَسْلَ رجليه وَقَعَ غَسْلُ يديه آخراً. ولو بَدَأَ بوجهه, ثم رأسِه, ثم ذراعيه, ثم رجليه- أَعَادَ عند ابن القاسم رأسِه فقط فيرتفعُ الخللُ. وعند غيرِه يمسحَ رأسِه, ثم يغسل رجليه. ولو بَدَأَ بوجهه, ثم رأسِه, ثم رجليه, ثم ذراعيه – فعند ابن القاسم: يُعيد مسحَ رأسِه؛ لأنه لم يَقَعْ بَعْدَ يديه, ويُعيد غسلَ رجليه أيضاً لهذه العِلة. ويتفق ابنُ القاسم وغيرُه هنا.
ابن هارون: واستشكل الشيوخُ مذهبَ ابن القاسم؛ لأنه لم يَتَخَلَّصْ به مِن التنكيس. ومثالُه: لو قَدَّمَ رأسَه على غَسل يديه ثم تذكر فأنه يُعيد مسحَ رأسِه ليحصلَ له بَعْدَ اليدين, ولكنه يختلُّ عليه الترتيب لمسحِه إياه بَعْدَ الرِّجلين.
قال ابن رشد: والجارى على أصلِه أنه لا شىء عليه كما لو أخلَّ بالفَوْرِ ناسياً. وأُجيب عنه بوجهين: أحدُهما أن المِنكَّسَ عنده كالمِنسِّى, فيأتى به بعد الطُّولِ. واعتُرِضَ بأنه لو جعله كالمِنسي لَلَزِم أن يُعيد [٢٠/أ] الوضوءَ في العَمْدِ, ولم يَقُلْ به. والثانى: أَنَّ إعادةَ