قال: ودون هذا في المرتبة أن يقتل شاهديه اللذين يشهدان بالحق له، فإن هذا لم يتعدَّ على نفس الشهادة، وإنما تعدى على سببها، فهو بلا شك أضعف من الأول. وقوله:(احْتَمَلَ) أي: الخلاف بالضمان قياساً على الوثيقة وعدمه؛ لأنه قد لا يقصد قتلهما لإبطال الحق بالعداوة ونحوها، وقد نص متقدمو أهل المذهب على أن المرأة إذا قتلت نفسها كراهة في زوجها، وأرادت سخ نكاحها أن الصداق لا يسقط. وكذلك إذا قتل سيد الأمة المتزوجة أمته. ونص في المدونة في كتاب حريم البئر على مسألة منع الماء، وأوجب فيه الدية، فقال في مسافرين مروا بماء فمنعهم أهله الشرب منه: أن للمسافرين قتال أهل الماء، وإن لم يقدر المسافرون على دفعهم حتى ماتوا عطشاً فدياتهم على عواقل المانعين، والكفارة على كل نفس منهم على كل رجل من أهل الماء، مع وجيع الأدب، واختلف حيث قلنا: تجب المواساة [٢٢٣/ب] بطعام او نحوه مما ذكر هل بعوض أم لا؟ على قولين: مذهب المدونة ثبوته إذا كان معهم ثمن؛ لأن الواجب الإعطاء، ولم يقع الدليل على نفي الثمن.
ابن يونس: ولا يشترطوا عليهم في ثمنه. قال أِهب: في مثل هذا لا شيء عليهم إذا لم يكن معهم ثمن. وذكر اللخمي خلافاً هل يُتبعون إذاأيسروا أو لا؟ واستظهر بعضهم نفي العوضية؛ لأنه الأصل في الواجب.
بعض القرويين: إنما كانت الدية على عاقلة المانعين إذا مات المسافرون عطشاً؛ لأنهم لم يقصدوا قتلهم، وإنما تأولوا أن لهم منع مائهم، وذلك مما يخفى على بعض الناس. ولو قصدوا منعهم بعد علمهم بأن ذلك لا يحل، وأنهم إن لم يسقوهم ماتوا لأمكن أن يقتلوا بهم. وخرج اللخمي ذلك على الخلاف فيمن تعمد شهادة الزور في شهادته حتى قُتل بها المشهود عليه، فقد قيل: يقتل الشاهد، ومذهب المدونة: لا قتل عليه.