وقال سيدي أبو عبد الله بن الحاج في ذكره آدابَ الاستنجاء: الثامنةُ منها: أن لا يَستقبلَ الشمسَ والقمرَ؛ فإنه وَرَدَ أنهما يَلعنانه. ومقتضى كلامِه أنه في المذهب، فإنه قال أولاً: قد ذكر علماؤنا- رحمهم الله تعالى- آدابَ التصرفِ في ذلك.
وَيُسْتَنْجَى مِمَّا عَدَا الرِّيحَ
قوله:(مِمَّا عَدَا الرِّيحَ) لا يخلو إما أن يُريد مِن الناقضِ أو مِن الخارج، والأولُ لا يصحُّ؛ لأنَّ مِن النواقضِ ما لا يُستنجى منه كالمَسِّ، وإِن أراد الخارجَ فليس على عمومِه، إِذْ منه ما لا يُستنجى منه كالحَصَى والدَّمِ والدُّودِ- على ما سيأتي إن شاء الله تعالى- فيُجْعَلُ الخارج صفةً لمحذوفِ، أي: مِن الحدثِ الخارجِ.
والحاصلُ أنه يُستنجى مِن جميعِ الأَحْدَاثِ إلا الريحَ، وزاد بعضُهم في المستثنى الصوتَ. قال بعضهم: وما أظن يَخرج بغيرِ ريحٍ.
وقوله:(مِمَّا عَدَا الرِّيحَ) أي: مِن الخارج مِن السبيلين، وفيه تنبيهٌ على مَن شَذَّ فَأَمَرَ بالاستنجاء مِن الريحِ. وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام:"ليسَ مِنَّا مَنِ اسْتَنْجَى مِنَ الرِّيحِ". أي: ليس على سُنَّتِنَا. رواه الحافظ أبو بكر الخطيب في كتاب المتفق والمفترق في ترجمة محمد بن زياد الكلبي.
لا خلافَ في المذهب- كما قال- أنَّ الماءَ يَكفي، وهو أفضلُ مِن الأحجارِ. وقولُ ابنِ المسَيّبِ: إنما ذلك وُضوءُ النساءِ. أي: الماءُ يَختصّ بالنساء؛ لتعذر الاستجمار في حَقِّهِنَّ عند البولِ- يُحْمَلُ على أَنَّه قال ذلك في مقابلةٍ مَن أنكر الاستجمارَ بالأحجارِ، فبَالَغَ في إنكارِه بهذه الصيغةِ ليمنعَه مِن الغُلُوِّ، وإن لم يُحْمَلْ على ما ذكرناه فهو مُشْكِلٌ؛ لحديث الإِدَاوَةِ خَرَّجَه الصحيحان، ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه يَدْخُلُ الخلاءَ، فأحْمِلُ أنا وغلامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِن مَاءٍ وعَنَزَةً فَيَسْتَنْجِي بالماءِ.