الاستنابة تكون بالتصريح، وقد تقدمت، وبالعادة كمن ذبح أضحية ولده أو والده، وجرت عادته القيام بأموره، ثم كلام المصنف يحتمل معنيين: أحدهما: الخلاف في القريب وغيره، وعليه مشاه ابن راشد، وهكذا حكى اللخمي الخلاف في القريب وغيره. ويحتمل أن يكون القريب لا خلاف فيه. وفي غير القريب قولان، وهذا مقتضى كلام ابن بشير؛ لكونه جعل استنابة القريب بالعادة كالاستنابة باللفظ.
ابن عبد السلام: وهذا ظاهر كلام المصنف. ونقل ابن عبد السلام هذه الطريقة، ولكن لم يعزها لابن بشير، ونقل طريقة ثالثة: أن الخلاف إنما هو في القريب. وكلام الباجي يقتضي أنه لا خلاف في المسألة لا في القريب ولا في غيره، وذلك لأنه وقع في المدونة بالإجزاء في القريب، ونقل عن أشهب عدم الإجزاء، فتأول الإجزاء بما إذا كان القريب مفوضاً إليه، وقول أشهب فيما إذا لم يكن مفوضاً إليه، ووقع لابن القاسم في الموازية في غير القريب قولان، قال: لو أن جاراً لي انصرف من المصلى فذبح أضحيتي إكراماً لي، فرضيت بذلك لم يجز، وقال أيضاً: إذا كان لصداقة بينهما ووثق به أنه ذبحها عنه أجزأته، فتأول ما وقع من الإجزاء على أنه كان فوض إليه. قال: وأما إن ذبحها عنه بمجرد الصداقة، فالظاهر من المذهب أنه لا تجزئه لأنه متعدَّ، ولو شاء أن يضمنه لضمنه، إلا أن تكون هذه رواية بالإجزاء في التعدي، أنه إذا لم يرد صاحبها تضمينه فله وجه، وعلى هذا فمناط الحكم في القريب وغيره القيام بجميع الأمور، وأن من كان قائماً بجميع الأمور أجزأ ذبحه قريباً كان أو لا، ومن لم يكن قائماً بالجميع لم يجز ذبحه مطلقاً. وهذه الطريقة رابعة، وتصحيح المصنف الصحة في غير القريب ليس بحسن لكونه مخالفاً للمدونة. قال فيها: ومن ذبح أَحيتك بغير أمرك، فإما ولدك أو بعض عيالك ممن فعله ليكفيك مؤنتها، فذلك مجزئ عنك، وأما على غير ذلك فلا يجزئ، ونظير هذه المسألة ما لو زوج ابن أو أخ أخته البكر بغير إذن الأب، فقال في المدونة: يجوز إن كان قد فوض إليه القيام بجميع أموره.