الأول: يفيده وهو المشهور، وقول ابن القاسم ومقابله نقله أِهب ولم يعزه. الثاني: إن قصد أولاً الخصوص أفاد وإن قصد العموم لم يفد. ونسب ابن عبد السلام الثاني لابن مسلمة، والثالث لأشهب. وحاصل هذا القول التفرقة؛ فيفيد في المحاشاة، ولا يفيد في الاستثناء. وقد عملت أن المشهور في المحاشاة والاستثناء متعاكس؛ لأنه قد تقدم أن المشهور في الاستثناء أنه لا يفيد بمجرد النية، والمشهور هنا على ما ذكره الباجي أنه يفيد.
واعلم أن هذه المسألة إنما أتى بها الأشياخ على أنها من باب المحاشاة، ألا ترى إلى قول الباجي المشهور أنه يفيد، ولو كان من باب الاستثناء لم يكن المشهور الإفادة. وزاد ابن يونس ثالثاً في المحاشاة: يحنث المستحلف دون المتبرع. وإذا تقرر لك أن كلام المصنف شامل لصورتي المحاشاة والاستثناء، وان المشهور فيهما متعاكس، عملت أن قول ابن عبد السلام:"المشهور أنه يفيد" ليس بظاهر؛ لأنه يقتضي أن المشهور الإفادة في الصورتين.
اللخمي: واختلف أيضاً إذا قال: كل الحلال على حرام، فقال مالك: يدخل فيه زوجته إلا أن يحاشيها بقلبه. وقال أشهب: لا تنفعه المحاشاة بالنية، إلا أن يحاشيها بلسانه. ونقل الباجي وغيره عن أشهب صحة المحاشاة بالنية إذا لم يأت بلفظة كل.
الباجي: ولا فرق بين زيادة لفظة "كل" وترك زيادتها؛ لأن قوله: الحلال على حرام عموم ومن قال: ليس للعموم لفظ موضوع ينبغي أن تكون لفظة "كل" تقتضي العموم، فإما أن يكون أشهب ينفي العموم في الألف واللام التي للجنس، ويثبته في "كل"، وإما أن يثبت العموم فيهما، ويجعل للقاصد قرينة تمنع الاستثناء بالنية دون اللفظ. وعلى هذا يصح أن يجري قوله في الأيمان اللازمة، إذا ثبتت فيها لفظة "كل"، أو عريت عنها. انتهى. وعلى هذا فالخلاف جارٍ سواء أتى بلفظه "كل" أم لا. ونقل ابن عبد السلام عن بعض الموثقين أنه لايرى أن الخلاف حاصل مع الإتيان بلفظة "كل".