القول الثاني: أنه نَجِسٌ، وهو قولُ ابنِ القاسم، واختاره صاحبُ الرسالة.
وقوله:(وَفِيهَا) أتى بما في المدونة- والله أعلمُ- للترددِ، لقوله:(أَفْسَدَهَا) هل معناه أَنْجَسَها، أو معناه يُجتنب مع وجودِ غيرِه، أو يُجمع بين الماءِ والتيمم؟ وأَتَى بقولِ ابنِ القاسم ليَذكر ما قيل فيه، وتَصورُه مِن كلامِه واضحٌ.
واعترضَه ابنُ راشد بأنَّ ابنَ القاسم لم يَقُلْ ذلك فيما تَحَقَّقَ وقوعُ النجاسةِ فيه، وإنما قاله في سُؤْرِ ما يأكلُ الجِيَفَ إذا لم تَتَحَقَّقْ بِفِيهِ نجاسةٌ، ولا يَلزمُ تساوي الغالبِ بالمحقَّقِ.
وقوله:(فَحُمِلَ عَلَى النَّجَاسَةِ لِلتَّيَمُّمِ ...) إلى آخره، أي أن الأشياخَ اختلفوا في حَمل كلامِ ابنِ القاسمِ، فحملَه عبدُ الحميد والسُّيُورِيُّ على أَنَّ الماءَ عنده نجسٌ، وجَعَلَ الإعادةَ في الوقتِ مراعاةً للخلافِ، وحَمَلَه ابنُ رشد على أنَّ الماءَ عنده نجسٌ، وجَعَلَ الإعادةَ في الوقتِ مراعاةً للخلافِ، وحَمَلَه ابنُ رشد على أنَّ الماءَ عنده مكروهٌ؛ لكونِه أَمَرَه بالإعادةِ في الوقتِ، وإلى هذين التأويلين أشارَ بقوله:(فَحُمِلَ عَلَى النَّجَاسَةِ لِلتَّيَمُّمِ، وَعَلَى الْكَرَاهَةِ لِلْوَقْتِ).
ومِن الأشياخِ مَن عَدَّه تناقُضاً، وإليه أشار بقوله:(وَعَلَى التَّنَاقُضِ) وحمله عبد الوهاب على أنه يَجمعُ بينَ الماءِ والتيممِ، وضَعَّفَه عياضٌ بِبُعْدِه عن اللفظِ. قال في المقدمات: ولم يفرّق ابنُ القاسم في الإعادةِ في الوقت بينَ أن يكون جاهلاً أو متعمداً، أو ناسياً. وقال ابنُ حبيب في الواضحة: إن كان عامداً أو جاهلاً- أَعَادَ أبداً. وقَيَّدَه أبو محمدٍ والبراذعيُّ في اختصارِهما: الإعادةُ في الوقتِ بعَدَمِ العِلْمِ. وتُعُقِّبَ ذلك عليهما لِعَدَمِ وجودِه في الأَصْلِ، وكأنهما عَوَّلا في ذلك على ما في كتابِ الصلاةِ الأوَّلِ منها، وذلك أنه قال في باب ما تُعاد الصلاةُ منه في الوقتِ: قال مالكٌ فيمَن تَوضأ بماءٍ غيرِ طاهرٍ وصَلى وهو يظن أنه طاهرٌ، ثم عَلِمَ به، قال: يُعيد ما دام في الوقتِ، فإنْ مضَى الوقتُ لم يُعِدْ، ويَغسلُ ما أصاب ذلك الماءُ مِن جسدِه ومِن ثوبِه.