ابن راشد: وكان شيخُنا القرافى يُنكر هذه القاعدةَ ويقول: أَرَأَيْتَ مَن كان عنده خمرٌ, وهو قادرٌ على شُرْبِها, وكذلك السرقةُ؟ ويقول: الذى ينبغى أن يقال: مَن جرى له سببٌ يَقتضى المطالبةَ بأن يَملك هل يُعَدُّ مالكاً لجريانِ السبب؟ أم لا لفقدان الشرط؟ مثالُه مَن سَرَقَ مِن الغَنِيمَةِ بعد الإيجابِ وقبلَ القسمةِ –في حَدِّهِ قولان بناءً على ما قَدَّرْناه, أمّا مَن لم يَجْرِ له سببٌ فكيف يُعَدُّ مالكاً.
وَالاسْتِحَاضَةُ كَالسَّلَسِ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ
أشار ابنُ عبد السلام إلى أن معناه: الاستحاضةُ كالسلس في جميع الصور المتقدمة, فيَجِبُ حيث يَجِبُ, ويُستحب حيث يُستحب. وقَيَّدَ قول المصنف: (يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ) فقال: يريد: إن لازمت الاستحاضةُ أكثرَ الوقت. انتهى.
وقال الباجى: إذا ثبت أنه –أى دم الاستحاضة- لا يَجِبُ منه غُسْلٌ, فهل يجب به الوضوءُ؟ والْمَشْهُورِ من المذهب: لا يجِب به وضوء. وقال القاضى أبو الحسن: إنه على ضربين: منه ما يكون مَرَّةً بعد مرةٍ, فهذا يجب منه الوضوءُ. ومنه ما يكون بالساعات, فيستحب منه الوضوء, ولا يجب. ودليلُنا على نفيِ الوضوءِ أنه دمٌ لا يجب منه الغُسل, فلا يجب منه الوضوءُ, كما لو خرج مِن سائرِ الجسدِ. انتهى.
فنَقْلُ الباجى [٢٤/أ] مخالِفٌ لكلام ابن عبد السلام, ومساعِدٌ لقولِ المصنف: (يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ) وأنه باق على إطلاقه, لكنْ يبقى على هذا فى تشبيهِه بالسلسِ نطرٌ.
وَحَيْثُ سَقَطَ الْوُضُوءُ فَفِي إِمَامَتِهِ لِلصَّحِيحِ قَوْلانِ، وَكَذَلِكَ ذُو الْقُرُوحِ
الْمَشْهُورِ الكراهةُ, ولا يُفهم مِن كلامه إرادةُ الاختلافِ فيها.
ابن عبد السلام: والأظهرُ الجوازُ؛ لأن عمرَ رضي الله عنه لم يُنقل عنه تَرْكُ الإمامةِ حين وَجَدَ سلسَ المذي. انتهى. وفيه نظرٌ لجوازِ أن يكون ذلك لأجلِ الإمامةِ الكبرى.