ابن راشد: والخلاف الذي حكاه إنما هو إذا لم يخف منهم وقدرنا عليهم بالنار وغيرها، فقال ابن القاسم وسحنون: لا يقاتلون [٢٦١/ ب] بها. وقيل: يقاتلون بها، ونسبه ابن عبد السلام لمالك. ومنشأ الخلاف ما في البخاري من حديث أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث، فقال:"إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأوقدهما بالنار". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج:"إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً بالنار وإن النار لا يعذب بها إلا الله عز وجل". وحمل الحديث في القول الآخر على ما إذا صاروا في حكمهم وأما إذا امتنعوا، فيجوز عملاً بعموم الآية.
قال صاحب البيان وابن زرقون: الخلاف إنما هو إذا كانوا في حصن، أما إن كان العدو في سفينة ونحن كذلك، فلا خلاف في جواز رميهم وإن كان معهم النساء والصبيان؛ لأنهم إن لم يرموا بالنار رمونا بها.
يعني: إذا خفنا على ذريتهم من النار لم يرموا بها إلا أن يخاف منهم، وأما إن خيف عليهم من الآلات فإنهم لا يتركون، واستدل على ذلك في المدونة برميه عليه الصلاة والسلام أهل الطائف بالمجانيق. قوله:(ومِنَ الآلاتِ) عطف على النار، وحكى صاحب البيان وابن زرقون: إذا كانوا في الحصن ومعهم النساء والصبيان أربعة أقوال: أجاز أصبغ تحريقهم وتغريقهم ورميهم بالمجانيق. وحكى فضل عن ابن القاسم أنه لا يفعل بهم شيء من ذلك. وقال ابن حبيب: يغرقون ويرمون ولا يحرقون. وفي المدونة: يرمون ولا يحرقون ولا يغرقون. قال: وإن كان في الحصن مع المقاتلة أسرى مسلمون فلا يرموا بالنار ولا يغرقوا. واختلف في قطع الماء عنهم ورميهم بالمجانيق، فقيل: إن ذلك جائز، وهو قول ابن القاسم وأشهب. وقيل: لا يجوز، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وحكاه عن مالك