ما ذكرنا من أنه إذا لم يَقصد ولم يَجِدْ لم ينتقض بالاتفاقِ- إنما هو ف يغيرِ القُبلة، وأما في القُبلة فاختلف فيها على قولين: إيجابُ الوضوء، وهي رواية أشهب عن مالك، وقول أصبغ، قال في المقدمات: وهو دليلُ المدونة، وعِلَّةُ ذلك أن القُبلة لا تنفَكُّ عن اللذة، إلا أن تكون صبيةً صغيرةً يُقَبِّلُها على قَصْدِ الرحمةِ، أو ذاتِ مَحْرَمٍ يُقبلها على سبيلِ الوُدِّ أو الوَدَاعِ أو نحوَ ذلك. والقولُ الثاني أنه لا وضوءَ كالملامسةِ والمباشرةِ، وهو قولُ ابنِ الماجشون.
وقوله:(وهو دليل المدونة) يُريد لقوله فيها: إذا مَسَّ أحدُ الزوجين صاحبَه للذةٍ من فوقِ الثوب أو تحتهِ، أو قبَّلَه على غيرِ الفمِ- فعليه الوضوءُ، أَنْعَظَ أم لا.
قال في التنبيهات: اشتراطُ اللذةِ على غيرِ الفَمِ دليلٌ على أنه لا يُشترط وجودها في القُبلة في الفم ولا قصدُها منهما جميعاً، وهو قول مالك في المجموعة.
قال ابن رشد: وأمّا إن قَصَدَ اللذةَ بالقبلةِ في الفمِ ولم يَجِدْها فالوضوءُ واجبٌ عليه، ولا أَعْلَمُ في ذلك خلافاً في المذهب، ولا يبعد دخول الخلاف فيها معنى. وعلى هذا فيحمل قوله:(وَالْمَشْهُورِ أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي الْفَمِ تَنْقُضُ لِلُزُومِ اللَّّّذَّةِ) على الوجهِ الأَوَّلِ.
وذكر ابن بزيزة في القُبلة ثلاثةَ أقوالٍ في المذهب: النقضُ مطلقاً، والثاني اعتبارُ اللذة، والثالثُ إن كانت في الفم انتَقَضَ مطلقاً، وإن كانت في غيره اعتُبِرَتِ اللذةُ، ولا فَرْقَ بين الطوعِ والإكراهِ. فعن مالك في المجموعة: إذا قَبَّلَ امرأتَه مكرهةً فعليها الوضوءُ، وكذا روى ابن نافع أنها لو غلبتْه هي فقَبَّلَتْه فعليه الوضوءُ ولو لم يَلْتَذَّ.
ابن هارون: أما لو قَبَّلها [٢٥/أ] على غير الفم لكان ذلك كالملامسةِ، ولا نَعلم في ذلك خلافاً بين الشيوخ إلا ما تأوّل ابنُ يونس في رواية ابنِ نافع المتقدمةِ في الذي استَغْفَلَتْهُ زوجتُه فقبَّلَتْه: أنه يتوضأ، فقال: هو يُريد سواءٌ قبّلَتْه في الفم أو في غيره، وفيه نظرٌ. انتهى.
قال صاحب الإرشاد في العمدة: والقبلةُ في الفم تَنْقُضُ، وفي غيرِه مِن الوجهِ خلافٌ.