الأقوالُ ظاهرةٌ مِن كلامِه، وتَبعَ المصنفُ في حكايةِ الأقوالِ الخمسةِ هكذا ابنَ بشير، وفيه نظرٌ؛ لأن قوله (ثَالِثُهَا) يقتضي أن القول الثاني لا يَجِبُ ولا يُستحبُّ، ولم يحكِه اللخمي، ولفظه: اختُلِفَ إذا كان ممن لا يتكررُ ذلك منه على خمسةِ أقوالٍ. فقال في المدونة: يتوضأ، وهو بمنزلةِ مَن شَكَّ في صلاتِه، وعلى هذا فيكون الوضوءُ عليه واجباً. وقال أبو الحسن بن القصار: روى ابن وهب عن مالك أنه قال: أحبُّ إليّ أن يتوضأ. قال: ورُوي عنه أنه قال: إِنْ شَكَّ في الحَدَثِ- وهو في الصلاة- بنى على يقينِه ولم يَقطع، وإن كان في غيرِ صلاتِه أَخَذَ بالشَّكِّ. قال: وروي عنه أنه قال: يَقْطَعُ وإن كان في صلاةٍ.
قال ابن حبيب: إذا خُيِّلَ إليه أن ريحاً خرجتْ منه فلا يتوضأُ إلا أن يُوقِنَ بها، وإن دخله الشكُّ بالحِسِّ فلا شيءَ عليه. قال: بخلافِ مَن شكَّ هل بالَ أو أَحْدَثَ فإنه يُعيد الوضوءَ. انتهى. وفيه نظر؛ لأن القولَ بالتفرقةِ بين أن يكون في صلاةٍ فلا يَقطعُ، وإن لم يكن في صلاة أَخَذَ بالشكَّ- راجعٌ إلى الاستحباب، والقولُ بالقطعِ مطلقاً راجعٌ إلى الوجوبِ، كذا قال ابن عطاء الله.
وعلى هذا فليس في المسألة إلا ثلاثةُ أقوالٍ: الوجوبُ والاستحبابُ وقولُ ابن حبيب. وقال الباجي في منتقاه: إذا قلنا بوجوب الوضوءِ بالشَّكِّ، فإن شكَّ خارجَ الصلاةِ فهذا حُكْمُه، وإن شكَّ في الصلاة فقدروى القاضي أبو الحسن عن مالك في ذلك روايتين: إحداهما: يَقطع الصلاةَ ويتوضأُ. والثانية: إن شَكَّ في نَفْسِ الصلاةِ فلا وضوءَ [٢٦/أ] عليه، وإن شكَّ خارجَ الصلاةِ فعليه الوضوءُ. انتهى.
ففَهِمَ- رحمه الله- أن الروايةَ بالفَرْقِ مبنيةٌ على الوجوب، فانظرْ ذلك.