للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكافر يُجْنِبُ ولا يَغْتَسِلُ. وعلَّلَ الأولَ بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨] قال: والنجسُ لا يَقربُ الصلاةَ إلا بعد غسلِ نجاستِه. واعلم أنَّ التعليلَ بالجنابةِ لا يَضُرُّ؛ لأن الغسلَ قد يكونُ لانقطاعِ دمِ الحيضِ فيمن بلغتْ به وأَسْلَمَتْ. ويمكن أن يُجاب على ما استدل به إسماعيلُ بأن المرادَ جبُّ الإثمِ، وإلا سقطتْ حقوقُ الخلقِ. [٢٧/ ب] وألزَمَه اللخميُّ وغيرُه القولَ بسقوطِ الوضوءِ؛ لأن الإسلامَ إن كان يَجُبُّ ما كان مِنْ حدثٍ في حالِ الكفرِ- جَبَّ فيهما، وإلا فلا.

فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَالْمَنْصُوصُ يَتَيَمَّمُ إِلَى أَنْ يَجِدَ كَالْجُنُبِ. وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَجْمَعَ عَلَى الإِسْلامِ فَاغْتَسَلَ لَهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ لأَنَّهُ نَوَى الطُّهْرَ، وَهُوَ مُشْكِلٌ .....

قوله: (إِلَى أَنْ يَجِدَ كَالْجُنُبِ) ظاهرُ التَّصَوُّرِ. ومقابلُ المنصوص يأتي على التعبدِ؛ لأنه يرى أن الغسلَ مستحبٌّ كما تقدم، ولا يتيمم للمندوب.

وقوله: (وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ) إلى آخره، يعني أن ابن القاسم يقول: إذا اغتَسَلَ بعدَ أن عَزَمَ على الإسلام، وقَبْلَ أن يتلفَّظَ بالشهادة- أجزَأَهُ ذلك في الجنابةِ وإن لم يَنْوِها. ونقل صاحبُ العمدة في المسألة قولين بالإجزاءِ وعدمِه. وقول ابن القاسم مشكل لوجهين: أحدهما أن الغسل عنده للجنابة وهو لم ينوها، وليس للإنسان إلا ما نوى. والثاني أنه قبل التَّلَفُّظِ على حُكْمِ الشِّرْكِ، فلا يَصِحُّ منه الغسلُ؛ لأن التلفظَ في حقِّ القادرِ شرطٌ على الْمَشْهُورِ، والْمَشْهُورِ عدمُ اشتراطِه مع العجزِ، نقله عياض. وهذا بخلافِ الكُفْرِ فإنه لا يَفتقر إلى لفظٍ؛ لأنه مقامُ خِسَّةٍ. وينبغي حَمْلُ قولِ ابن القاسم على ما إذا كان خائفاً أن ينطقَ بالشهادةِ. ابنُ هارون: وقد يُجاب عن الأوَّلِ بأنه- وإن لم ينوِ الجنابةَ- فقد نوى أن يكونَ على طُهْرٍ، وذلك يَستلزِمُ رَفْعَ الجنابةِ، وعن الثاني أنه إذا اعتقدَ الإسلامَ فهو ممن تَصِحُّ القُرْبَةُ بخلافِ مَن لم يعتقده؛ لما في الصحيحين مِن اغتسالِ ثُمَامَةَ قبل أن يُسْلِمَ، ثم أَسْلَمَ ولم يأمُره صلى الله عليه وسلم بإعادةِ الغُسْلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>