وعلى هذا فالطَّهورُ أعمُّ مِن المطلق، وتفسيرنا المطلق لا يَرِدُه اعتراضُ مَن اعتَرض بأنه يَخرج عنه ما انتقل مِن عذوبةٍ إلى ملوحةٍ، وبالعكس؛ إذ هو لم يُخالطه شيءٌ، لكن كلامَ القاضي عبد الوهاب يقتضي أن المطلقَ مرادِفٌ للطَّهورِ، فإنه قال: الماءُ ضربان: مطلقٌ ومضافٌ، والتطهيرُ بالمطلق دونَ المضافِ، والمطلقُ هو ما لم تتغير أحدُ أوصافِه بما لا ينفك عنه غالباً مما ليس بقَرارٍ له ولا متوَلِّدٍ عنه، فيدخل في ذلك الماءُ القَرَاحُ، وما تَغيَّر بالطينِ لأنه قَرارُه، وكذلك ما يجري على الكِبْرِيتِ، وما تغيَّر بطولِ المُكْثِ؛ لأنه متولِّدٌ عنه، وما تغير بالطُّحْلُبِ؛ لأنه مِن مكثِه، وما انقلبَ مِن العذوبة إلى الملوحة؛ لأنه مِن أرضِه وطولِ إقامته، ويَدخل فيه المستعملُ على كراهة مِنَّا لَهُ، وكذلك القليلُ الذي لم تُغيره النجاسةُ. والمضافُ نقيضُ المطلقِ، وهو ما تغيرتْ أوصافُه وأحدُها مِن مخالطةِ ما يَنفك عنه غالباً، انتهى. فأنت ترى كيف جَعل ما يُطهر به مطلقاً.
وقوله:(وَهُوَ) أي المطلقُ، وقدَّم حكمَه على تَصَوُّرِه، وإِنْ كان على خِلافِ الأَوْلَى، لأن المقصودَ بالذاتِ الحكمُ، فكان أهمَّ، وما ذكرَه ابنُ عبد السلام، بأنه قال: إنما ذَكَر ذلك لأنه أَلحق بالمطلق أنواعاً أُخَرَ، فلو ذّكر جميعَها قبلَ الخبرِ لحصَل للناظرِ تشويشٌ- ليس بظاهرٍ؛ لإمكانِ ذِكْرِها بعد الخَبَرِ.
وَيُلْحَقُ بِهِ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِمَا لا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِباً كَالتُّرَابِ وَالزِّرْنِيخِ الْجَارِي هو عَلَيْهِمَا، وَالطُّحْلُبِ وَالْمُكْثِ ...
إنما أُلحق المتغيرُ بهذه الأشياء بالمطلقِ لمشقةِ الاحترازِ مِن المُغَيِّرِ المذكورِ، وقد حكى ابنُ المنذرِ الإجماعَ على طهورية المُتَغَيِّرِ بالمُكْثِ. والطُّحْلب بضمِّ اللام وفَتْحِها، وقد حكَى ذلك الجوهريُّ وغيرُه، وهو خضرةٌ تَعْلو على الماءِ لِطُولِ المُكْثِ، والمكثُ: طُولُ الإقامةِ.