وكأن المصنف نسب المسألة لعبد الحق تبرياً، إذ المعروف من المذهب أن القمح والشعير جنس واحد فكان ينبغي المنع. ولعل ما ذكره عبد الحق جار على أحد القولين في تأويل مسالة السلم الثاني، وهي: ما إذا أسلم في حنطة سلماً فاسداً وفسخ العقد بينهما ووجب للمسلم أخذ رأس ماله. قال في المدونة: فيجوز له أخذ ما شاء عن رأس ماله سوى الصنف الذي أسلم فيه، أي: لأنه إذا أخذ الصنف الذي أسلم فيه فقد تم العقد الفاسد.
فذهب فضل، وابن أبي زمنين إلى أنه يجوز أخذ المحمولة إن كان أسلم في سمراء وبالعكس، وهكذا قال غيرهما، وهو في الموازية والواضحة أيضاً. ومنعه ابن محرز، والأبياني، وقالا: لا يجوز أخذ السمراء عن المحمولة، ولا الشعير عن القمح. فما قاله عبد الحق جار على التأويل الأول.
ويعتبر في الطعام مطلقاً أن من باع طعاماً إلى أجل لم يجز أن يشتري بذلك الثمن ولا ببعضه طعاماً، وإن خالفه قبل الأجل، ولا بعده إلا أن يكون كيله وصفته، إن محمولة فمحمولة، وإن سمراء فسمراء ....
هذه المسألة نافعة للناظر في مذهب مالك، لدخول أشياء كثيرة تحتها، وهي ليست من بياعات الآجال، وإنما أتى بها- والله أعلم- لمناسبتها لإلغاء الوسط وسداً للذريعة. والأليق بها كتاب السلم والصلح، ومعناها: أن من باع طعاماً مطلقاً ربوياً أو غيره بثمن إلى أجل، لم يجز له ولا للمحال عليه أن يأخذ بذلك الثمن ولا ببعض ما هو عليه طعاماً، وإن خالفه قبل الأجل أو بعده، إلا أن يكون مثل الطعام الذي خرج من يده صفة ومقداراً لعدم التهمة حينئذ، ويعد حينئذ إقالة. وقوله:(بثمن) يريد: وكذلك بحال تأخر قبض الثمن حتى افترق المتبايعان. وليس هذا مخصوصاً في المذهب بالطعام، بل لا يجوز أخذ اللحم عن ثمن الحيوان ولا العكس، ولا أخذ طعام من أجرة كراء أرض للحرث، قاله في المدونة. ولا أخذ الثياب عن ثمن الغزل إذا مضى زمن يمكن أن ينسج فيه، لأنه