وخيار التروي مستثنى من بيع الغرر للتردد في العقد، لكن أجازه الشرع ليدخل من له الخيار على بصيرة من الثمن والمثمون، ولهذا قال الشافعي- رضي الله عنه-: لولا الخبر عن رسول الله ما جاز الخيار أصلاً لا في ثلاث ولا في غيرها.
وفرع الخيار فرع على البيع اللازم، لأن الغالب هو اللازم، ولأنه إنما يكون بالشرط وقوله:(فالتروي بالشرط لا بالمجلس) تنبيه على خلاف الشافعي في قوله بخيار المجلس ما لم يتفرقا. وحكى ابن شاس والمصنف وغيرهما أنه قال: كقولنا الفقهاء السبعة. وذكر المازري، وصاحب الإكمال أن سعيد بن المسيب لا يقول بخيار المجلس، وهو من الفقهاء السبعة بلا خلاف. وعلى هذا، ففي قوله:(كالفقهاء السبعة) نظر. وكأن المصنف- والله أعلم- أضاف الحديث للموطأ لينبه على أنه لا ينبغي أن يقال هنا أن مالكاً لم يعلم الحديث، بل علمه ورواه، ونبه على أنه إنما ترك ذلك لما هو راجح عنده، فقد قال- رحمه الله- في الموطأ بعقبه: وليس لهذا حد معروف ولا أمر معمول به فيه.
ابن العربي: يريد أن تفرقتهما ليس لها وقت معلوم. وقال: وهذه جهالة يقف البيع عليها، فيكون [٤٦٦/ب] كبيع الملامسة والمنابذة، أو كبيع على خيار إلى أجل مجهول، وما كان كذلك فهو فاسد.
وإلى هذا التأويل- أعني: أنه قصد أن الحديث مخالف لعمل أهل المدينة- ذهبت المغاربة وبعض البغداديين. وذهب ابن القصار وحذاق أئمتنا البغداديين أن كلام الإمام راجع إلى آخر الحديث:(إلا بيع الخيار) أي: ليس لبيع الخيار حد معروف، بل بحسب ما تختبر فيه السلعة، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي أنه ثلاثة أيام في كل شيء. وقد أكثر أهل المذهب والحنفية من الأجوبة عن هذا الحديث، وقد أتى بأكثرها المازري في شرح التلقين، وابن دقيق العيد في شرح العمدة.