فإن فلس ثم قدم ملياً فلا شك في أخذ من قد حل دينه، وأما من لم يحل دينه؛ فاختلف هل يأخذ أيضاً حقه لأنه حكم مضى وهو ظاهر قول أصبغ، أو لا يأخذه إلا بعد أجله لأن الغيب قد كشف خلاف ما مضى به فصار كما لو تبين خطأه وهو اختيار بعض المحققين؟ وقال ابن عبد السلام: الأول أقرب؛ لأن الحاكم حين قضى بإفلاسه كان محوزاً لما قد ظهر الآن، وأيضاًفهو حكم واحد، وقد وقع الاتفاق على أن من قبض شيئاً من دينه المؤجل لا يرد ذلك، فكذلك ما بقى، وأما لو حضر الغريم وغاب المال فإن ذلك يوجب تفليس الغريم إذا كانت غيبة المال بعيدة. انتهى.
وفهم من قول المصنف:(وَالْبَعيدُ) أنه لو كان قريبا لم يفلس بل يكشف عن حاله، وهكذا في العتبية والواضحة لابن القاسم، وحد القرب فيهما بالأيام اليسيرة.
قال في البيان: ولا خلاف في ذلك. قال: وخلاف ابن القاسم وأشهب إنما هو عندي فيما كان على مسيرة عشرة أيام ونحوها، وأما إن كان على مسيرة الشهر ونحوه فلا خلاف في وجوب تفليسه وإن علم ملاءه؛ أي: غناه من فقره.
فرع: وهل يستأنى ببيع عروض الغائب خشية أن يكون عليه دين آخر؟ أما البعيد الغيبة: فلا خلاف في الاستيناء في حقه. وأما القريب: فلمالك في رواية ابن وهب في بعض روايات المدونة، ولا يستأنى به لأن له ذمة. وقال ابن القاسم: يستأنى به كالميت.
يعني: إذا اتفق الغريم وأرباب الديون على أخذ ما في يد الغريم والتحاصص فيه وفعلوا ذلك من غير رفع إلى الحاكم، ثم تداين هذا الغريم من قوم آخرين؛ فليس للأولين الدخول في دين ما أخذه من الآخرين، إلا أن يفضل عن دين الآخرين فضل.