أبو الحسن: وهذا لا يسلم؛ لأن صاحبها لو أراد دفنها لدفنها. وقال ابن عبد السلام: قد يقال: إن الدفن غير سائغ، وذلك إذا لم يخبر أحداً بها؛ لأنه عرضها للتلف، وإن أخبر فذلك في معنى إيداع الغير.
ودل كلام المصنف بالمفهوم على أنه لو أودع لغير عذر أنه يضمن - وهو صحيح - ولو أودع من هو أقوى أمانة منه؛ لأن من حجة صاحبها أن يقول لم أرض إلا بأمانتك، ولهذا قال في النكت: الفرق بين الوديعة - في أنه لا يودعها لغيره - وبين اللُّقَطَة - يدفعها لغيره ممن هو في مثل حاله - أن الوديعة إنما رضي صاحبها أمانته بخلاف اللُّقَطَة.
اللخمي: وإذا أودعها لعذر السفر ثم عاد من سفره؛ فإن سافر ليعود كان عليه أن يأخذها ويحفظها؛ لأنه التزم حفظها حتى يأتي صاحبها فلا يسقط عنه العذر الذي سافر فيه، وإن كان سفره على وجه الانتقال ثم عاد، كان له أن يأخذها، وليس ذلك بواجب عليه.
وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ
يعني: إذا تبين الوجه الذي لأجله أودع؛ من عورة منزل أو سفر - فلا ضمان عليه وإن لم يشهد على الإيداع، وهكذا في المدونة، وزاد فيها أنه لا يُصَدَّقُ في أنه خاف عورة موضعه أو أراد سفراً فأودعها لذلك.
وخرج اللخمي في هذا الوجه خلافاً لما وقع لابن القاسم فيمن اكترى دابة فلما قدم قال: أودعتها؛ لأنها وقفت علي في الطريق - أنه يصدق، فعلى هذا يصدق في الوديعة أنه أودعها؛ لخوف موضعه أو لأنه سافر وخفي أمره، ولم يعلم هل سافر أم لا؟ وهو في الوديعة أبين؛ لأنه لا يتوهم أحد أن يخرج الوديعة من يده لغير عذر. قال: ومحمَلُ قول ابن القاسم: أنه يصدق إذا ثبت الخوف أو السفر في الإيداع. على أن المودع صدقه في قبضها ويقول: إنها ضاعت، فأما إن كذبه وقال: لم يدفع إلي شيئاً لم يصدق على أصله في كل من أمر أن يدفع إلى غير التي ائتمنته - إلا ببينة.