قال في البيان: وهذا كما قال أنه لا ضمان عليه إذا قبضها بلا بينة؛ يريد: بعد أن يحلف ما هي عنده ولقد دفعها إليه أو تلفت. وأما إن دفعها إليه ببينة فبَيِّنٌ أنه لا يبرأ منها بقوله: لا أدري؛ لأنه لو ادعى دفعها إليه لم يصدق، فكيف إذا قال: لا أدري. ولو قال المودَع لربها: إن كنت دفعت إلي شيئاً فقد ضاع، فقال عبد الله بن عبد الحكم: إنه يبرأ بيمينه ولو قبضها ببينة.
يعني: إذا مات رب الوديعة فادعى المودع أنه ردها لوارثه، أو مات المودع فادعى وارثه أنه ردها لربها، لم يقبل دعوى الرد فيهما.
(لأَنَّهُمَا) أي: وارث رب الوديعة في الفرع الأول ورب الوديعة في الثاني - لم يأتمنا الدافع، بل كل منهما دفع إلى غير الذي ائتمنه، كاليتيم إذا ادعى عليه الوصي الرد.
ظاهر كلامه أن الوديعة لم تزل بيد المودع لم يدفعها إلى أحدهما؛ لقوله: إنهما يتحالفان ويقتسمانها، وأن ابن المواز قال: عليه ضمان مائة أخرى، وكذلك نقل ابن يونس القولين، ونقل غيره أيضاً القولين فيما إذا دفع إلى أحدهما، ففي الموازية: ومن استودع مائة فأتى رجلان يدعيانها فقال: "رددتها إلى أحدكم" فإن لم يثبت أيهما هو فهو ضامن لكل واحد منهما مائة؛ لأن كل واحد منهما يدعي أنه أودعه فلم يقطع بتكذيبه، وقوله: للمودِع لا أدري هل أودعتني؟! هو كالنكول؛ فيحلف المدعي ويضمنه، وكذلك لو كانوا عشرة.
وقال ابن عبد الحكم: أما في الدين فيضمن لكل واحد منهما مائة، وأما في الوديعة فلم أره مثل الدين.