ولعل هذين التأويلين مبنيان على الخلاف فيمن أخرج من ذمته إلى أمانته. وحكي ابن يونس وابن رشد وغيرهما عن أشهب أنه قال: هو مكروه نعم؛ فإن نزل مضى. وهو ظاهر ما نقله المصنف عنه؛ لأن قوله:(ويَسْتَمِرُّ دَيْناً) خلافاً لأشهب يقتضي أنه عنده لا يستمر ديناً بل يبقى قراضاً، وحكى ابن عبد البر عن أشهب أن ما اشترى وباع فلرب المال وللعامل أجرة مثلهن وحكى ابن حارث عن ابن عبد الحكم أن الربح بينهما والخسارة على رب المال على أصل القراض، وهذا مثل قول أشهب بالكراهة.
وقال القاضي عبد الوهاب في الغاصب يرد المال فيقول ربه: لا أقبضه ولكن اعمل به قراضاً، إنه جائز.
الباجي: ويحتمل ألا يكون هذا خلافاً لقول ابن القاسم ويفرق بينهما؛ لأن الغاصب أحضر المال متبرعاً بالدين ولعله اتفق معه على إحضاره ليرده أيضاً قراضاً، ولو جاء متبرعاً لكان مثل الغاصب.
ابن زرقون: والأقرب أن قوله خلافاً لقول ابن القاسم.
قوله:(مَا لَمْ يَقْبِضْهُ) يقتضي أن مجرد القبض يصح القراض حينئذ، وكذلك مقتضى المدونة.
أبو الحسن: جعل التهمة هنا تزول بالقبض وإن أعاده إليه بالقرب أو نص في الصرف على أن من قضى لرجل ديناً له، فإنه لا يعيده سلماً [٥٩٨/ أ] في طعام بقرب ذلك، ونص فيه أيضاً على أن من أسلم إلى رجل دراهم ثم قضاه ديناً له عليه بحدثان ذلك، إن ذلك لا يجوز، وفي السلم الأول مثل ما ذكر في القراض؛ لأنه قال فيمن له على رجل دين، فقال: أسلمه في طعام لم يجز حتى يقبضه منه ثم يرده. والفرق بين القراض والسلم وبين مسألتي الصرف أنه في مسألتي الصرف دفعه من ذمة إلى ذمة، وفي القراض والسلم دفعه من ذمة إلى أمانة. انتهى.