قال في المدونة: وإذا ضاع بعض المال بيد العامل قبل العمل أو بعده أو خسره أو أخذه اللصوص ظلماً لم يضمنه العامل، إلا أنه إن عمل ببقية المال جبر بما ربح فيه أصل المال الأول، وما بقي بعد رأس المال يكون بينهما على ما شرط. ولو كان العامل قال لرب المال: لا أعمل حتى تجعل ما بقي رأس المال. ففعل وأسقط الخسارة فهو أبدأ على القراض الأول، وإن حاسبه وأحضره العامل، قال رب المال: اعمل حتى تجعل ما بقي من رأس المال ما لم يقبضه منه.
فإن قلت: فتخصيص المصنف بقبول العمل مشعر بأن الربح لا يجبر ما تلف بعد العمل، فهو خلاف ما نص عليه في المدونة.
قيل: لا نسلم ذلك بل يفهم من كلامه والجبر بعد العمل من باب الأحرى؛ لأنه إذا جبر ما تلف قبل العمل مع أن المال حينئذ كوديعة لعدم لزوم عقد القراض، فلأن يجبر من بعد العمل من باب أولى.
وقوله:(بِالرِّبْحِ) متعلق بـ (يُجْبَرُ) وجعل المصنف غاية هذا الجبر المفاصلة. واختلف بماذا تكون المفاصلة؟ فرأي ابن القاسم كما حكيناه عنه لابد في ذلك من القبض.
اللخمي: زاد أصبغ على باب الصحة والبراءة، وحكى ابن حبيب [٦٠٠/ أ] عن مالك وربيعة والليث ومطرف وابن الماجشون عمن لقيه من أصحاب مالك أنه إذا أخبره بما نقص من رأس المال، وقال له: اعمل بما بقي وأسقط عنك ما ذهب إنه قراض مؤتنف.
المازري: وهذا الذي نقله ابن حبيب عن هؤلاء الفقهاء رأيت ابن المواز نقل عنهم خلافه في الموازية، وما حكاه ابن حبيب هو القول الثاني في كلام المصنف، واختاره غير واحد وهو الأقرب؛ لأن الأصل إعمال الشروط عملاً بقوله عليه السلام: "المؤمنون عند شروطهم ما لم يعارض ذلك نص.