لما ذكر المزارعة الصحيحة وشروطها علم أن الفاسدة ما فقد منها شرط، ولذلك لم يحتج إلى بيان الفاسدة، وتقدير كلامه: والحكم في المزارعة الفاسدة تفسخ قبل العمل، وإن فاتت ففي المذهب طريقان: أولاهما تفصيلية وهي التي بدأ بها المصنف، وذكر منها ثلاث صور، الصورة الأولى:(إِنْ تَكَافَأ فِي الْعَمَلِ) أي: فالزرع بينهما، وذلك إذا أخرج أحدهما البذر والآخر الأرض والعمل بينهما، ولا خلاف في فسادهما لمقابلة الأرض بالبذر، فيكون الزرع بينهما.
(وَيَتَرَاجَعَانِ غَيْرَهُ) أي: غير العمل وهو البذر والأرض فيكون على صاحب البذر نصف كراء الأرض وعلى صاحب الأرض مكيلة البذر، وهكذا نقله ابن المواز عن مالك وابن القاسم، وظاهر كلام ابن حبيب أن الزرع لصاحب البذر وحده، ويكون عليه لصاحب الأرض كراء أرضه وقيمة نصف العمل؛ لأنه قال: وأصل هذا أن كل متزارعين على معادلة وقع في مزارعتهما، كراء الأرض بالبذر فافسخه واجعل الزرع لرب البذر، وكل متزارعين على غير معادلة سلماً من كراء الأرض بشيء من البذر، فاجعل الزرع بينهما نصفين، ويتراجعان في الفضل فيما سوى ذلك.
هذه الصورة الثانية وفسدت بما فسدت به الأولى؛ لأن قوله:(مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا) البذر مع العمل يقتضي أن الأرض من عند الآخر، وحينئذ يقابل الأرض جزء من البذر. (فَالزَّرْعُ لَهُ) أي: لصاحب البذر والعمل؛ لأنه اجتمع له من الثلاثة شيئان، وقدم لذلك. (وَعَلَيْهِ الأُجْرَةُ) أي: أجرة الأرض.