ابن عبد السلام: يريد أصبغ، أنه لم يحصل النصف الآخر وعليه أجرة وعليه أجرة المثل في دباغة الجميع، أما لو دفع إليه نصف الجلود قبل الدبغ على أن يدفعها مجتمعة، فأفاتها بالدباغ، فله نصفها بقيمتها يوم قبضها، وله أجر عمله في نصفها للتحجير في نصف الدابغ، وهذا أبين.
وأشار بعضهم إلى أنه يختلف في ضمان الصانع لنصفها في هذا الوجه الأخير إذا شرع في دباغها، ويختلف في فواتها بالشروع أيضاً، لأن قبضه لها ليس قبضاً حقيقياً، لكونه غير متمكن من الانتفاع بما قبضه.
خليل: وعلى هذا، فلا يجوز ما يفعل عندنا بمصر في طحن العامة، لأنهم يعطون للطحان أجرة معلومة والنخالة وهي مجهولة، وانظر لو آجره بصاع من النخالة، هل يجوز؟ لأن النخالة لا تختلف أو يختلف فيها كما في صاع دقيق.
ابن عبد السلام: والنفس أميل إليه لأن من الطحن ما تخرج نخالته كثيرة الأجزاء، ومنه ما لا تخرج كذلك. وإلى مسألة صاع من دقيق أشار بقوله:
وَفِي صَاعٍ دَقِيقٍ قَوْلانِ
من الجواز مذهب المدونة ففيها: ولا بأس أن يؤاجره على طحن إردب قمح بدرهم وبقفيز من دقيقه، إذ ما جاز بيعه، جازت الإجارة فيه، وإن واجرته بطحنه لك بدرهم وبقسط من زيت زيتون قبل أن يطحن جاز ذلك.
والمنع لابن القاسم في الواضحة وابن المواز.
اللخمي: ولا وجه له، وصوب غيره أيضاً الجواز، فكأنهم لم يرتضوا بتفرقة ابن المواز بين البيع والإجارة، أنه إنما جاز في البيع، لأن المبيع إذا هلك رجع المبتاع بثمنه، وفي الإجازة إذا طحن وهلك ذهب عمله باطلاً؛ لأنه ليس بمضمون على ربه ولو ضمنه كان فاسداً؛ أي: لأنه كمن اشترى معيناً، وشرط على البائع ضمانه.