هذه هي الصفة الثانية، وذكر أنه ينقب القدر بثقب فيوضع على يد أمين ثم يعلق القدر مع انصداع الفجر ويجعل تحتها ما ينصب فيه، وكلما هم أن ينضب الماء زاد فيه حتى يكون سيله معتدلاً لأن النهار كله والليل كله إلى انصداع الفجر فينحيانها ويقتسمان ما اجتمع من الماء على أقلِّهم سهماً أو كيلاً أو وزناً ثم يجعل لكل واحدٍ قدرٌ تحمل سهمه من الماء ويثقب كل قدر بمثقاب الأول، فإذا أراد أحدهم السقي غلق قدره بمائه وصرف له الماء كله مدة سيل الماء من القدر، وكلمّا هم أن ينضب الماء من القدر زيد فيه إذا كان له أكثر من قدر واحد ثم كذلك، وإن اختلفوا في البداية اقترعوا؛ هكذا ذكر هذه الصفة ابن حبيب عن عبد الملك وغيره من علماء المدينة، وعلى هذا فقول المصنف:(فِي قِدْرٍ أَوْ قُدُورٍ) ليس بظاهر لأنهم قالوا: يجعل لكل واحد نصيبه في قدر، ولهذا اعترض ابن يونس فإنهم إذا اختلف أنصباؤهم كان صاحب الكثير مغبوناً؛ لأن القدر كلما كبرت ثقل فيها الماء وكثر جريه من الثقب حتى يكون مثلي ما يجري من الصغيرة أو أكثر فيأخذ صاحب القدر الصغيرة أكثر من حقه لخفة جري الماء، قال: والذي أراه لصاحب الكثير في القدر الأول.
وقد يقال لعل المصنف أراد بقوله:(فِي قِدْرٍ أَوْ قُدُورٍ) القولين؛ أي: قول المدنيين وقول ابن يونس وتكون (أَوْ) للتفصيل، لكن هو بعيد من كلامه.
عياض: واعتراض ابن يونس صحيح، وقد غفل عما هو أشد منه وهو قوله:"وكلما هم الماء أن ينضب" فهذا فيه من الاعتراض نحو ما ذكره؛ لأن صاحب القدر من الثقب وهي ممتلئة بخلاف صبها بعد نقصها، ولو قال كلما نقص من الماء شيء زاده ليكون أخلص حتى يكون جري الماء من الثقب على حد واحد، وقد تفطن لها أبو عبد الله بن