وفي المدونة: مقيد بما إذا لم يشهد، وأما إذا أشهد فهي للمعطى أو لورثته، وتبع المصنف في التعليل الذي ذكره ابن شاس ونسبه المؤلف للمدونة لإشكالها، أما أولاً: فلأنه أبطلها بموت الموهوب والمؤثر في بطلان الهبة إنما هو موت الواهب.
وقد نص في المدونة في باب الهبة على خلاف هذا فقال: وإن وهبت هبة لحر أو عبد ولم يقبضها حتى مات فلورثة الحر ولسيد العبد قبضها وليس لك أن تمتنع من ذلك. وإلى هذا الإشكال أشار التونسي وغيره، ولهذا قال عياض: ولعل ما في المدونة أن يقول الباعث: أنا إنما قصدت بها صلة للمبعوث إليه بعينه إن وجد حياً، ويكون مصدقاً؛ إذ لا يلزمه إلا ما أقر به من معروفه إذا لم يشهد على أصله فيلزمه بظاهر فعله وقوله.
وأما ثانياً: فلأنه قد أمضاها بالإشهاد وهو مبطل للتعليل، ولهذا قال ابن عبد السلام: الصواب عندهم في تعليل المسألة أنه مع الإشهاد قد فعل غاية المقدور في الحوز.
قوله:(وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ .. إلخ) هو كما حكيناه عن المدونة في الهبة. قوله:(وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ .. إلخ) هذا تأويله [٦٤٦/أ] عن مالك في رواية يحيى عنه، قال: سألت ابن القاسم عن قول مالك في الرجل يشتري المتاع في الحج لبعض أهله ثم يموت قبل أن يبلغهم ذلك المتاع أنهم لهم، قال: وإنما أراد أن يكون اشتراه لأصاغر ولده، ومثله روى علي بن زياد عن مالك أن الإشهاد لا ينفع في ذلك لمن يحوز عليه من ولده الصغير، وأما الكبير والأجنبي فلا يحوز لهم إلا أن يحوزه غيره. ورده محمد بأن الإشهاد في مثل هذا هو الحوز، ورآه أيضاً عياض بأنه لو لم يحز إلا للصغار لم يختص ذلك إلا بالحج والسفر دون الإقامة، ولا معنى لما قاله بعض الصقليين، إنما يعني ذلك إذا وهب العين ثم اشترى به فعجل الشراء يقوم مقام الحوز؛ لأن مسألة الذي وجه صلته وهبته قد جعلها حوزاً، والعلة في ذلك كله عدم التفريط في الحوز. واعترض كلام المصنف بأن ظاهر كلامه أن تأويل ابن القاسم في المسألة إنما هي في موت المهدي إذا كانت الهدية بيده، ولو أخر تأويل ابن القاسم إلى مسألة الحاج كان أولى؛ وهي قوله: