وأشار ابن شهاب إلى أن الإبل لم تزل على ما ذكره في الحديث من عدم التقاطها إلى زمان عثمان رضي الله عنه فأمر بتعريفها ثم تباع، فإن جاء صاحبها أعطي الثمن لفساد الناس حينئذ. واختلف هل تلتقط حين لا يؤمن عليها السباع؟
مالك وابن القاسم وأشهب: إن كان الإمام عدلاً أخذت ودفعت إليه ليعرفها، وليس للملتقط أكلها ولا بيعها، فإن لم تعرف ردها حيث وجدها.
ابن القاسم: وهو رأي على ما روي عن عمر رضي الله عنه. قال مالك مرة فيمن وجد بعيراً ضالاً: فليأت به الإمام يبعه ويجعل ثمنه في بيت المال. وقال في مدونة أشهب: يباع ويوقف ثمنه حتى يأتي ربه، فإن يئس منه تصدق به عنه كما جاء عن عثمان رضي الله عنه. قالوا: وإن كان الإمام غير عدل لم تؤخذ وتركت مكانها. انتهى.
وفي المقدمات بعد أن ذكر عدم التقاط الإبل: قيل: إن ذلك في جميع الأزمان. وهو ظاهر قول مالك في المدونة والعتبية. وقيل: بل هو خاص بزمان العدل وصلاح الناس، وأما في الزمان الذي فسد فيه الناس فالحكم فيه أن تؤخذ وتعرف، فإن لم تعرف بيعت ووقف ثمنها لصاحبها، فإن لم يأت ويئس منه تصدق به عنه على ما فعله عثمان رضي الله عنه.
ابن عبد السلام: وصحيح مذهب مالك عدم التقاطها مطلقاً.
وقوله:(فِي الصَّحْرَاءِ) نحوه في المدونة فيحتمل ألا يكون له مفهوم، وأنه خرج مخرج الغالب، ويحتمل أن يكون له مفهوم وهو محتمل للموافقة؛ لأنه إذا امتنع التقاطها حيث يتوهم ضياعها فامتناعها حيث لا يتوهم ضياعها أولى، ومحتمل للمخالفة فيكون معناه أنها تلتقط في العمران لسهولة وجدان ربها له بخلاف ما إذا نقلها من الصحراء إلى العمارة فلا يتأتى معرفة ربها، ولأنها في العمران لا تجد ما تأكل فتهلك.
ابن عبد السلام: والأول أسعد لظاهر المذهب، والثاني أقرب إلى لفظه، وإلا لقال لا تلتقط الإبل وسكت عن الصحراء.