مواضع الضرورة، وأما مع الاحتمال وكثرة النظار فلا يختلف أن ولاية النظار أولى من ولاية المقلدين، وإنما يتصور الخلاف هل تصح ولاية المقلد وتنفذ أحكامه وتنعقد ولايته وهو قول أبي حنيفة أم لا، وهو قول الشافعي وهو الذي يحكيه أئمة مذهبنا عن المذهب؟
ثامنها: أن يكون فطناً؛ فلا يجوز ولاية المغفل كما في الشهادة، بل الاشتراط هنا أولى، وهذا الشرط لم يقع في كل النسخ، وكلام الطرطوشي يدل على اشتراطه.
وبقي على المصنف شرط تاسع، وهو أن يكون القاضي واحداً، نص عليه ابن شاس وابن شعبان وغيرهما؛ أي: لا يجوز أن يفوض القضاء إلى اثنين لا يتم الحكم إلا باجتماعهما.
المازري: وأغلى الباجي في المنع حتى ادعى عليه الإجماع، وقال: لم يتفق هذا من زمانه عليه السلام إلى زماننا، وخاف من النقض عليه بالحكمين، لأنهما إذا اختلفا انتقل إلى غيرهما، وفي القاضيين لا يمكن التنقل عنهما، فيؤدي اختلافهما إلى وقف الأحكام.
المازري: وعندي أنه لا يقوم دليل على المنع إذا اقتضت ذلك المصلحة ودعت إليه الضرورة في نازلة يرى الإمام أنها لا تصلح، وترتفع فيها التهمة إلا بقضية [٦٥٢/ب] رجلين.
وذكر الباجي أنه قد ولي في بعض بلاد الأندلس ثلاثة قضاة على هذه الصفة، ولم ينكر ذلك من كان من فقهائه، وانه أنكر هو فعلهم.
وَإِنْ لَمْ يُوْجَدْ مُجْتَهِدٌ فَمُقَلِّدٌ؛ فَيَلْزَمُهُ الْمَصِيرُ إِلَى مُقَلَّدِهِ، وَقِيلَ: لا يَلْزَمُهُ، وَقِيلَ: لا يَجُوزُ لَهُ إِلا بِاجْتِهَادِهِ ...
يعني: أنه لا تترك ولاية القضاء عند عدم الاجتهاد لئلا يؤدي إلى الهرج وإبطال الحقوق، ولأن إنصاف المظلوم من الظالم واجب، وهو ممكن من المقلد.
ابن راشد وابن عبد السلام: إلا أنه ينبغي أن يختار أعلم المقلدين ممن له فقه نفيس وقدرة على الترجيح بين أقاويل أهل مذهبه ويعلم منها ما هو أحرى على أصل مذهب إمامه مما ليس