هذا هو الموجب الثالث من موجبات الجراح، ودليله قوله تعالى:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً)[النساء: ٩٢] الآية، وقوله:(عَلَى الْحُرِّ) احترازاص من العبد؛ لأن الله تعالى قال:(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)، والعبد لا يصح له ذلك إذ لا ولاء له، واحترز بـ (الْمُسْلِمِ) من الكافر فلا تجب عليه؛ إما لأنه غير مخاطب، وإما لعدم أهليته للقربة، وقوله:(إِذَا قَتَلَ ... إلخ)، ذكر للمقتول أربعة شروط:
أولها: الحرية فلا تجب الكفارة في قتل العبد، نعم تستحب كما سيأتي، وظاهر الآية أن فيه الكفارة لأنه مؤمن، وهو ظاهر قول أشهب لقوله: فليعتق، نقله عنه ابن راشد.
ثانيها: الإيمان للآية. ثالثها: أن يكون معصوماً. رابعاً: أن يكون خطأً.
ابن عبد السلام: فإن قيل: لِمَ غير المصنف العبارة فذكر الإسلام في حق القاتل والإيمان في حق المقتول؟ قيل: الأصل في الأحكام التي بطلت ظهورها فيما بين الناس أن تكون معلقة على ظاهر مثلها، وهو ههنا الإسلام؛ لأنه ههنا وصف ظاهر، وكفارة القتل من هذا النوع، ولكن أتى المصنف بوصف الإيمان لأنه المطابق للآية، فإن قيل: فهل يظهر لذكر الإيمان في الآية بالنسبة إلى القاتل والمقتول معنى، قيل: نعم؛ لأن الإيمان مستلزم للمراقبة الحاملة على توقي أسباب القتل، وأدعى للتحرز من إذابة الممن لأخيه المؤمن بلسانه فكيف بيده فكيف بقتله؟!