تطهرُ طهارةً مقيدةً، أي: تُستعمل في اليابسات وفي الماء وَحْدَه مِن دون سائرِ المائعاتِ. والمذكَّى مِن غيرِ المأكولِ طاهرٌ طهارةً مطلقةً، وسيأتي التنبيه على ما في كلٍّ من التَّمْشِيَّتَيْنِ.
تنبيهات:
الأول: وقع في نسخة ابن عبد السلام: (وفيما دُبغ) زيادةُ (منه) وفسَّرَها، فقال: أي مِن ميتة المأكول. وليس بجَيِّدٍ؛ لإيهامِ ذلك أنَّ الخلافَ في الطهارةِ بالدبغِ خاصٌّ بميتةِ المأكولِ، وليس كذلك، بل الخلافُ في الطهارة عامٌّ في ميتة المأكولِ وغيرهِ، نقل ذلك ابنُ شاسٍ وغيرهُ، وممن نقل ذلك صاحبُ التلقين، قال: وجلودُ الميتةِ كلُّها نجسةٌ لا تطهر بالدبغِ، غير أنها يجوز استعمالها في اليابسات.
المازري: وإنما أكد الميتة بقوله: كلها طاهر. فأما الأوزاعيُّ فذهبَ إلى أَنه إنما يَطهر بالدبغ جِلْدُ ما يُؤكل لحمُه دون ما لا يؤكل. وحكى في البيان قولاً بطهارة مدبوغ ميتة الأنعام خاصةً. ورواه أشهبُ عن مالك، ولفظُ الروايةِ: سئل مالكٌ: أَترى ما دُبغَ من جلود الدوابِّ طاهرًا؟ قال: إنما يقال هذا في جلود الأنعام، فأما جلود ما لا يؤكل لحمه فكيف يكون جلده طاهرًا إذا دُبغ، وهو مما لا ذكاة فيه ولا يؤكل؟ اللهم إلا أن يقال: هذا الإيهامُ يرتفع بالاستثناء، وهو قوله:(إلا الخنزير) فإنه إنما أخرج الخنزير فقط.
التنبيه الثاني: ليست الطهارةُ بالذكاة خاصةً بالجلد. قال في الجواهر في باب الذبائح: وتَطهر بالذكاة جميعُ أجزائه من لحمه وعظمه وجلده، سواء قلنا يُؤكل أو لا يؤكل، كالسباع والكلاب ولحمر والبغال إذا ذكيت طهرت على كلتا الروايتين في إباحة أكلها ومَنْعِه، وقال ابنُ حبيب: لا تطهر بالذبح، بل تصير مَيْتَةً. انتهى.
وكلامُ ابن شاس يَدلُ على أن الذكاةَ تعمل في مُحَرَّمِ الأكل، وهي إحدى الطريقتين اللتين يَذكرهما المصنف في باب الصيد، والطريقة الأخرى- وهي طريقةُ أكثرِ الشيوخِ- أن الذكاةَ لا تُؤَثِّر [٨/أ] في مكروهِ الأكلِ.