هكذا قال القاضي أبو بكر؛ لأنه قال: لا يقصد قتله، وإنما يقصد الدفع، فإذا أدى إلى القتل فبذلك قال، وإن علم أنه لا يندفع عنه إلا بقتله فجائز له أن يقصد القتل ابتداء، وقد يقال: ينبغي أن يكون القتل هنا واجباً؛ لأنه يتوصل به إلى إحياء نفسه لا سيما إن كان الصائل غير آدمي، اللهم إلا أن يحمل كلام القاضي على أنه يمكنه الهروب، ولا يقبل منه إذا قتله دعوى أنه كان قصد قتله، كمن زعم أنه أراد زوجته إذا لم تتقدم منه شكوى.
إذا قدر المصول إليه على الهروب من الصائل من غير مضرة تلحق المصول إليه لم يجز له جرح الصائل؛ لأنه منباب ارتكاب أخف المفسدتين، وهذا في غير المحاربين، وأما المحاربون فقد تقدم أن قتالهم جهاد.
عبر المازري وغيره عنه بالمشهور، ونقل مقابله عن بعض الأصحاب: وهو أظهر لما في الصحيحين عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الخُصَيْنِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فسل يَدَهُ مِنْ فَمِهِ فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:"يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا بَعَضُّ الْفَحْلُ، لاَ دِيَةَ لَكَ". زاد أبو داود رضي الله عنه: وإن شئت أن تمكنه من يدك فبعضها ثم تنزعها من فيه.
وقال ابن المواز: الحديث لم يروه مالك، ولو ثبت عنده لم يخالفه. وتأوله بعض شيوخ المازري على أن المعضود لا يمكنه النزع لها بذلك، وحمل تضمين الأصحاب على أنه يمكنه النزع برفق بحيث لا يقطع أسنان العاض، فصار متعدياص في الزيادة، فلذلك ضمنوه.