وفُهِمَ من قوله:(دُبِغَ) أَنَّ جِلْدَ الميتة لو لم يدبغ لم يَجُزِ الانتفاعُ به بوجهٍ.
ابن هارون: وهو المذهب. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: لا يُفْتَرَشُ ولا يُطْحَنُ عليه حتى يُدْبَغَ.
وروى ابن القاسم عن مالك في العتبية: تَرْكُ الانتفاعِ بها أحبُّ إليَّ. وهذا قولٌ بالاستحباب. انتهى.
التنبية الثالث: ما قاله ابنُ هارون بأن الأقوالَ الثلاثةَ: الطهارةُ المقيدةُ، والطهارةُ المطلقةُ، والتفصيلُ- أَقْرَبُ إلى قاعدة المصنف؛ لأنه قاعدتَه أَنْ يَجعل صَدْرَ القولِ الثالثِ دليلاً على القول الأول، وعَجُزَه دليلاً على الثاني، لكن الأقرب ما قاله ابن راشد من الأقوال الثلاثة: الطهارة المطلقة، والطهارة المقيدة؛ لأني لم أَرَ من قال: إن جلدَ المذكَّى غيرِ المأكولِ يَطهر طهارةً مُقيدةً بعدَ البحثِ عنه، والذي رأيتُه في مدبوغِ الميته: الْمَشْهُورِ وهو أنه يَطهر طهارةً مقيدةً. وقولُ ابنِ وهب وغيرِه: إنه يَطهر طهارة مطلقة. وهو مقتضى ما نقله الباجي عن ابن حبيبِ لأنه نَقَلَ عنه أنه تُعْمَلُ منه قِرْبَةُ اللَّبَنِ وزِقُّ الزيتِ، ونقل عنه غيرُه ما يَقتضي النجاسة، فإِنه نقل عنه أنه إذا بيعَ جِلْدُ الميتةِ المدبوغُ أن ذلك البيع يُفسخ، إلا أن يَفُوتَ، فيُمْضَى بالثَّمَنِ للاختلاف فيه. والذي رأيته في جلود السباع الْمَشْهُورِ، وهو أنها تطهر طهارة مطلقة. وحكى ابن عبد البر عن أشهب قولاً بنجاسة ما ذكِّي من السباع. وحكى الباجي عن ابن حبيب التفرقةَ فالسباعُ العاديَةُ لا يُصَلَّى عليها، ولا تُباع جلودُها، ولا تُلبس، ويُنتفع بها فيما سوى ذلك. وغيرُ العادية كالهر والثعلب يَجوز بيعُها والصلاةُ عليها.
وعلى هذا فيتحمل في كل مسألة ثلاثة أقوال، ويكون الصحيح تمشية ابن راشد؛ لأن القولَ بالنجاسةِ فيهما منقولٌ، وليس القول بالطهارة المقيدةِ فيهما منقولاً، والله أعلم. انتهى.