كثيراً فللمتأخرين قولان: صحةُ صلاته، وأُخِذَ مِن قوله- في تعليل البطلان- لأن هؤلاء يعبثون. والبطلانُ لعمومِ الحديث المتقدم. ولو تساوى قومٌ في الارتفاع، وصلَّى غيرُهم على موضعٍ غيرِ مرتفعٍ، فإن قَصَدَ المرتفعون الكبرَ بطلتْ صلاتُهم، وإنْ لم يقصدوا ذلك ففي إعادةِ الصلاة في الوقت قولان. وهكذا قال ابن حبيب في الإمام يصلي في السفينة: إن المُرْتَفِعِينَ يُعيدون في الوقت. انتهى بمعناه. ونص المدونة: ولا يُصلي الإمام على شيء أرفع مما عليه أصحابه، وإن فعلوا أعادوا أبداً لأنهم يعبثون، إلا الارتفاع اليسير مثل ما كان بمصر فإنه تجزئهم صلاتم. انتهى. وظاهرُه، أن الإعادة على الإمام والمأموم، وكذلك نقل المسألة التونسي. وقيل لأبي عمران: هل يعيد الإمام؟ فقال: ليس بالقوي. وقال ابن زَربٍ: لا إعادة عليه؛ لأنه لو ابتدأ الصلاة وحده هناك لم تكن عليه إعادة. قالوا: ويلزم على قول ابن زرب أن يُعيد الإمام إذا كانت الصلاةُ جمعهً؛ فإنه يصر قد جمع وحده لبطلان صلاة المأمومين، وهذا مما ينقض الاتفاق الذي حكاه ابن بشير.
المازري: وذهب سحنون ويحي بن عمر إلى إجازة ذلك إذا ضاق موضع الإمام عن المأمومين. وقال فضل بن مسلمة: تعليله بأنهم يعبثون يشير إلى قصر المنعِ على موضعٍ واسع يُمكن الصلاة فيه مع الإمام. ثم قال: وقال بعض أشياخي -يعني اللخمي– إذا صلى رجٌل في موضعٍ مرتفع لنفسه، فأتى رجلٌ فائتم به صحت صلاته، وكأنه رأى أن افتتاحه وَحدَه يُشعِرُ بعدم قصده العبثَ. انتهى. وفي الجلاب: ويجوز أن يصل الإمام والمأموم أسفل منه، ولا يصل المأموم في أسفلَ والإمامُ في علوٍ إلا أن يكون مع الإمام طائفةٌ يُصلون معه. انتهى. وقُيَّدَ بأن تكون طائفة مِن سائرِ الناس. قال بعضُ الأصحاب: وما ذكر ابنُ الجلاب هو اخيارُه، وظاهرُ المذهب خلافُه، لقوله في السفية: لا يعجبني أن يكونَ هو فوق والناسُ أسفل، وليُصَلَّ الذي فوقَ بإمامٍ والذي أسفل بإمام. قال صاحب اللباب: وذكر ابنُ حبيب أن الأسفلين يعيدون في الوقت، قيل: وإنما ذلك لأنَّ الأسفلين ربما لم تمكنهم مراعاة أفعال الإمام، وربما دارتْ فيختلط عليهم. انتهى.