والثالثُ لابن القاسم في المدونة، ونصها: وقف مالك في إعادةِ مَن صَلَّى خلف مبتدعٍ. وقال ابن القاسم: يعيد في الوقت. قال مالك: ولا يُسلم على أهل البدع، ولا يناكحون، ولا تُصلى خلفهم جمعة ولا غيرها.
والرابع لابن حبيب، قال: إذا كان والياً تؤدى إليه الطاعة، أو قاضيه، أو خليفته، أو صاحب شرطة فالصلاةُ خلفه جائزةٌ، وإن أعاد في الوقت فحَسَنٌ. ونحوه لمالك.
وقوله:(بِنَاءً عَلَى فِسْقِهِمْ أَوْ كُفْرِهِمْ) أي: فعلَى الكُفْرِ يُعيد مَن صلى خلفَه أبداً، وعلى الفسق يُخْتَلَفُ، كالفاسق بالجوارح، والمختارُ عند حذاق المتكلمين عدمُ تكفيرهم، وأنه لا يُكَفَّرُ أحدٌ بذنبٍ من أهل القبلة. وأكثر المتكلمين إنما فرضوا هذه المسألة فيمن كانت بدعته في الصفات، وجعلوا الخلاف فيها مبنياً على الخلاف في التكفير بالمآل. وعلى هذا فليس لذِكرِ الحروريِّ هنا معنى: إذ الحرورية قومٌ خرجوا على عليٍّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- بحرُورَاءَ ونقضوا عليه قضية التحكيم، وكفَّرُوا بالذنبِ، ولم يظهر منهم خلافٌ في الصفات، وإلى هذا أشار ابن عبد السلام، وقد يُجاب عنه بوجهين:
أحدهما: أن ما ارتكب هؤلاء من التكفير بالذنب من أعظم البدع.
والثاني: نقل ابن يونس عن مالك التسوية بين القدري والحروري في أنه لا يُصلى خلفهما، ثم ذكر بعد ذلك الخلافَ كما ذكر المصنف، فدل على أن الجميع سواء. قال في البيان بعد ذكره الأربعة الأهوال، وأن الخلافَ مبنيٌّ على الخلاف في التكفير: وهذا فيما كان من الأهواء والبدع محتملاً للوجهين، إذ منها ما هو كفٌر صرح، فلا يصح أن يُختلف في أن الإعادة واجبة على من صلى خلفهم، ومنها ما هو هوى خفيف لا يَؤُول بمعتَقِدِه إلى الكفر، فلا يصح أن يُختلف في أن الإعادة غيرُ واجبة على مَن صلَّى خلفهم، هذا وجه القول في هذه المسألة، وإن كانت الروايات جاءت مجملة. انتهى.