قاعدةُ ابنِ الحاجب وغيرِه مِن المتأخرين أَن يَستغنوا بأحد المتقابلين عن الآخَرِ، ومقابلُ المشهورِ شاذٌّ، ومقابلُ الأشهرِ مشهورٌ دونَه في الشهرةِ، وكذلك في الصحيح والأصحِّ، والظاهرِ والأظهرِ، ويُقابل المعروفَ قولٌ غيرُ معروفٍ، ولم تَطَّرِد للمصنف- رحمه الله- قاعدةٌ في مقابلِ المنصوصِ، فقد يكون منصوصاً، وقد يكون تخريجاً وهو الأكثرُ.
وكلما قال:(وفيها) فمرادُه المدونةُ وإِنْ لم يتقدم لها ذِكْرٌ؛ لاستحضارِها ذِهْناً عند كلِّ مَن اشتغلَ في المذهَبِ. ولهذا قال ابنُ رُشْدٍ: نِسْبَتُها إلى كتبِ المذهَبِ كنسبةِ أمِّ القرآن إلى الصلاةِ، يُستغنى بها عن غَيْرِها، ولا يُستغنى بغيرها عنها، ولا يأتي بقولِه فيها في الغالبِ إِلّا لاستشهادٍ أو استشكالٍ.
وإذا قال:(ثالثها) فالضميرُ عائدٌ على الأقوالِ المفهومةِ مِن السياقِ.
وحيث أَطلقَ الروايةَ- فالمرادُ بها قولُ مالكٍ.
و (القولُ) يحتملُ أنْ يكونَ للإمامِ أو غيرِه.
ومِن قاعدته أيضاً أن يَجعل القولَ الثالثَ دليلاً على القولين الأوَّلَيْنِ، فيَجعل صَدْرَه دليلاً على الأول، وعَجُزَه دليلاً على الثاني، إلا في النادر، وسأنبه عليه.
ومِن قاعدتِه أنه إذا ذَكر قسمةً رباعيةً أن يبدأ بإثباتين ثم بنفيين، ثم بإثبات الأول، ونفي الثاني، ثم بعكسه.
ومِن قاعدتِه أنه إذا صَدَّرَ بقولٍ ثم عَطَفَ عليه بقيل- أَنْ يكون الأول هو المشهورُ.
ومِن قاعدتِه إذا حكَى الاتفاقَ- فمرادُه أهلُ المذهبِ، وإذا حكى الإجماعَ فمرادُه إجماعُ الأُمَّةِ.