كان يلزمه إلا أن يخاف أن يضيع. ابن القاسم: وهذا [١٠٥/ أ] أثبت ما سمعت من قول مالك، وبه آخذ. وقال ابن حبيب: لا يحمل المسلم نعش الكافر ولا يمشي معه ولا يقوم على قبره، ولو مات لمسلم كافر يلزمه أمره مثل الأبوين، والأخ، وشبه ذلك، فلا بأس أن يحضره ويلي أمره، ويكفنه حتى يخرج به إلى دفنه. وإن كفي دفنه وأمن الضيعة عليه فلا يتبعه، وإن خشي ذلك فليتقدمهم إلى قبره. وإن لم يخش ضيعته وأحب أن يحضر دفنه فليتقدم أمام جنازته، وإذا خشي عليه تقدمها، ولا يُدخلها قبرها إلا ألا يجد من يكفيه ذلك.
الفرع الثاني: قال في العتيبية: لا يعجبني أن يعزي المسلم في أبيه الكافر لقوله تعالى: {مَا لَكُم مِّن ولايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}. فلم يكن لهم أن يرثوهم وقد أسلموا حتى يهاجروا. وروى عن مالك أنه يعزي جاره الكافر بموت أبيه الكافر لذمام الجار، فيقول إذا مر به: بلغني الذي كان من مصابك، ألحقه الله بأكابر دينه، وخيار ذوي ملته. وقال سحنون: يقول له: أخلف الله لك المصيبة، وجزاك أفضل ما جزى به أحداً من أهل دينك. قال في البيان: وإذا جازت تعزية الكافر بالكافر، فتعزية المسلم بالكافر من باب أولى. خلاف ما قاله في التعبية قال: والتعزية لثلاثة أمور:
أحدها: تهوين المصيبة على المعزي وتسكينه وتسليته وتحضيضه على الصبر.
والثاني: أن يعوض الله من مصابه جزيل الثواب.
والثالث: الدعاء للميت. والكافر يمتنع في حقه الأخير. فيعزي المسلم في وليه الكافر، هذا معنى كلامه. قال: والآية التي احتج بها مالك على ترك التعزية منسوخة. قال عكرمة: أقام الناس برهة لا يرث المهاجر الأعرابي، ولا الأعرابي المهاجر لقوله تعالى:{مَا لَكُم مِّن ولايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}
حتى نزل:{وأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}، فاحتج بالمنسوخ كما احتج لما اختاره من الإطعام في الفطر في رمضان بقوله تعالى:{وعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}، وهي منسوخة، وذلك إنما يجوز على القول بأن الأمر إذا نسخ وجوبه جاز أن يحتج به على