لما ذكر الْمُخْرَجُ منه والمُخْرِجُ والمصرف ذكر كيفية الإخراج، وقدم النية لأنها أول الواجبات عند الإخراج. وحاصله: أن الفعل ثلاثة أقسام:
قسم تمحض للعبادة: كالصلاة والإجماع على وجوب النية فيه.
الثاني: مقابله كإعطاء الديون، ورد الودائع، والمغصوب فالإجماع أنه لا تجب فيه النية، أي: نية التقرب. وقلنا لا تجب فيه نية التقرب حتى لا ينتقض بما قاله ابن عبد السلام عن الشافعي: أن الحكم عندهم في رد الدين لابد فيه من نية، وأنه لو أعطى بغير نية لما برئت ذمته ولكان له أن يرجع. وقلت: لا تجب؛ لأنه لو نوى لأثيب، كما لو نوى إبراء ذمته وامتثال أمر الله وإدخال السرور على قلب صاحب الدين إلى غير ذلك، وهذا كما قالوا: إن الإمام لا تجب عليه نية الإمامة، لكن الأفضل أن ينويها ليحصل له فضلها.
الثالث: ما اشتمل على الوجهين كالطهارة والزكاة؛ لأن الزكاة معناها معقول: وهي رفق الفقراء وبقية الأصناف، ولكن كونها إنما تجب في قدر مخصوص لا يعقل معناه. وكذلك الطهارة عقل معناها: وهي النظافة، لكن كونها في أعضاء مخصوصة على وجه مخصوص لا يعقل معناه. فاختلف في وجوب النية فيه، وقد بين ذلك بقوله (والْمَذْهَبُ ..) إلخ. وفي كلامه مناقشة؛ لأن قوله:(والمذهب) يقتضي أن ذلك منصوص وليس في المذهب ما يخالفه. وقوله:(مِنْ قَوْلِهِ: فِيمَنْ) يقتضي أن ذلك مستقراً مما ذكره، وهذا