وإن كان بحراً مخوفاً تندر فيه السلامة ولا يكثر ركوب الناس له، فإن ذلك يسقط فرض الحج. وقد روى ابن القاسم عن مالك في المجموعة: أنه كره الحج في البحر إلا لمثل أهل الأندلس الذين لا يجدون طيقاً غيره، واستدل على ذلك بقوله تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَاتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج: ٣٧]. ولم يذكر البحر.
سحنون: ولما يلحق الناس فيه من تضييع كثير من أحكام الصلاة. وفي البيان: وقد قيل: إن فرض الحج ساقط عمن لا يقدر على الوصول إلى مكة إلا في البحر؛ لقوله تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ...} الآية. وهو قول شاذ ودليل ضعيف؛ لأن مكة ليست داخلة في نفس البحر، فلا يصل إليها أحد إلا راكباً أو راجلاً، ركب البحر ي طريقه أو لم يركب.
وقوله:(إِلا أَنْ يَغْلِبَ الْعَطَبُ ... إلخ) أي فيحرم ركوبه إذا عرض الخوف على النفس أو المال. ومال الباجي إلى ركوبه وإن أدى ذلك إلى تضييع بعض أحكام الصالة، لما وقع الاتفاق عليه من ركوبه في الجهاد. وفُرِّقَ بأن المراد من الجهاد أن تكون كلمة الله هي العليا [١٧١/أ] والقيام بها أشرف من القيام بالصلاة؛ لأن عدم القيام بالتوحيد كفر. وعدم القيام بالصلاة ليس بكفر على المعروف. ويضدها تتبين الأشياء، والحج مع الصلاة بالعكس؛ إذ هي أفضل. وما ذكره الباجي في الجهاد فهو محمول- والله أعلم- على ما تعين منه، وأما إذا لم يتعين فبعيد أن يقال بركوبه إن أدى إلى تضييع بعض أحكام الصالة.