للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في موضع أفعلت؛ لأسباب توجب ذلك. وقد قيل: يستسخرون. وكذلك لم نسمع أنصحته ولا أشكرته. فأما سائر ما ذكره فقد استعمل فيه الوجهان وله باب، وقد قدمه كان يجب أن يلحقه به. وقال الله عز وجل في جن عليه: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا).

وأما قوله: ذهبت به وأذهبته، فواضح المعنى، مثل مررت به وأمررته، قد تعاقب فيه حرف الجر والألف، لنقل الفعل والتعدية. وقد مضى شرحه مرارا. وقد يعدى دخلت بغير الباء أيضا؛ لاختلاف المعنى، فيقال: دخلت عليه، ودخلت إليه، ودخلت فيه. ولكل واحد من ذلك معنى، ليس للآخر: لأنك تقول: دخلت في هذا الأمر، وفي هذه الوصية، ودخلت في دين فلان ونحوه، ولا يجوز ههنا الباء. وتقول: دخلت إلى الدار، ولا يجوز فيه الباء أيضا. وتقول: دخلت على الأمير، دخلت على الجارية، ولا يجوز فيه الباء؛ لأن المعنى يبطل بالباء ههنا. وهذا يُلزِم من زعم أن حروف الجر تتعاقب، بمعنى أن يجيزه كله، فإن لم يجزه بطل قوله في التعاقب، ووجب عليه الرجوع عنه.

وأما قول: لهيت من الشيء وعنه، إذا تركته، فهو خطأ؛ لأنه ليس كل من ترك شيئاً، فقد لهى عنه. وإنما يقال: لهيت عنه، ومنه، بمعنى سهوت عنه، وغفلت عنه، وتشاغلت عنه ونسيته، ونحو ذلك، فأما من ترك الشيء عامداً بلا سهو، ولا غفول ولا تشاغل ولا نسيان، ورفضه عن صواب رأي/ وفعل، فلا يقال له: لهى عنه؛ لا يقال لمن ترك الأكل بعد الشبع، أو الشرب بعد الري، أو الصلاة بعد تمامها: قد لهى عن ذلك، ولا لهى منه. وإنما هو من اللهو، ولكن بنى على فعلت، بكسر العين. في معنى الانفعال والمطاوعة، فانقلبت الواو ياء، كما يقال: رضي، وعدي بمِن وعن لما شرحنا في نظائره. ولمِن معنى ابتداء الغاية والتبعيض، ولِعَن غير معنى. وتعدية لهيت بالألف جائزة أيضاً كقولك: ألهاني عنه كذا وكذا، كما قال الشاعر:

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

<<  <   >  >>