مَن تَشَاءُ). والمرجئة: صنف من المسلمين، فهم مقالة مبتدعة؛ لقولهم: الإيمان قول بلا عمل، فأرجئوا العمل، أي أخروه. وبعض العرب يقولون: أرجيت الأمر إرجاء، بالياء؛ وهي لغة، وعليها العامة؛ فإما أن تكون مخففة من الهمز، وإما أن يكون اشتقاقها من رجا البئر، وهو ناحيتها. والجميع الأرجاء؛ وهي نواحي كل شيء.
وأما قوله: ارض وبئة، وقد وبئت، فمعناه صار بها الوباء، على فعلت تفعل، فهي فعلة، والفعل لها مثل: مرضت تمرض مرضا. والوباء: كثرة الأمراض والموت. وقد قيل فيها: أرض موبوءة، على مفعولة والفعل: قد وبئت، معنى هذا قد جعل بها الوباء، فخرج على مثال جعل / وفعل في هذه اللغة. وهذا نظير قولهم: رجع ورجعته، وجبر وجبرته وإن كان بينهما فرق؛ وذلك أنك إذا جعلت الفعل للبلدة، بنيته على فعل يفعل، كفعل المطاوعة بمعنى الانفعال. والقياس في هذا أن يقال: موبأة، وقد أوبئت، فينقل الفعل عنها بالألف، أو بحرف جر. والدليل على ذلك أنه لا يقال: قد وبأها الله، علت مثال فعلها الله، ولكن أوبأها الله. والعامة لا تهمز هذا، والأصل فيه الهمز، وإن كان ترك الهمز فيه جائزا.
وأما قوله: إذا ناوأت الرجال فاصبر، أي عاديت، وهي المناوأة. فليست المناوأة بالمعاداة. وليس معنى ناوأت: عاديت. وقد غلِط. وإنما معناه: جاذبت ومانعت وغالبت وطالبت ونحو ذلك. ويدل على ذلك أنه على وزن: فاعلت، من النوء؛ وهو الارتفاع بمشقة وثقل. ومنه قيل للكواكب قد ناء، إذا طلع فهو ينوء. وقد قيل للجارية الممتلئة اللحيمة إذا نهضت: قد نائت وللدابة: قد ناء بحمله، أي نهض. ومنه قول الله عز وجل:(مَا إنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي القُوَّةِ). وقد زعم قوم من اللغويين أن النوء: السقوط أيضا، وأنه من الأضداد. وقد أوضحنا الحجة عليهم في ذلك في كتابنا في:"إبطال الأضداد" وليس هذا موضع ذكره. ومما يوضح لكم غلطه أن الرجل قد يعادي الرجل ولا ينازعه ولا يجاريه، ولا يجاذبه ولا يباريه؛ فلا يقال له: قد ناوأه، وهو هو مناوئ