للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ما قدمنا تفسيره، ومن هذا قيل: استشف الثوب إذا نشره في الضوء وفتشه؛ ليطلب خرقا أو عيبا، إن كان فيه.

وأما قوله: زبده يزبده زبدا، إذا أعطاه، وزبده يزبده، إذا أطعمه الزبد، فإن أراد بالأول العطية، يقال: زبدت فلانا زبدا، بمعنى منحته منحا، والعامة تسمي العطية: الزبد، بفتح الباء، وهو من كلام الصيارفة وليس بخطأ. ومنه الحديث المروي: "أن رجلا من المشركين أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فردها وقال: إنا لا نقبل زبد المشركين". هكذا يروى بسكون الباء على المصدر، ولو جعله اسما لجاز فتحه. والماضي منهما جميعا بفتح العين، والمستقبل من الأول مكسور العين، ومن الثاني مضمومها، كأن ذلك استعمل على هذا للفرق بين الهدية والعطية، وبين إطعام الزبد، وأصلهما واحد؛ لأنهما جميعا هبة ومنحة وبر وصلة، والكسر والضم فيهما جميعا جائزان، على ما تقدم من شرحنا. والمصدر منهما على الأصل بسكون العين.

وأما قوله: نسب الرجل ينسبه نسبة، ونسب الشاعر بالمرأة بنسب بها نسيبا فإن الأصل فيهما واحد، ولكن خولف بين المستقبلين منهما، بضم العين من النسب وبكسرها من النسيب للفرق، وكل واحد منهما جائز فيه ما قد استعمل في الآخر على ما قدمنا شرحه في أول الكتاب،/ وفرق بين مصدريهما أيضا، فاستعمل في الأول المصدر على مثال الفعلة، بكسر الأول مثل الجلسة والركبة، وما كان على هيئة واستعمل في الثاني على مثال فعيل، مثل النئيم والنهيم والنشيد، والمصدر الأصلي في الأول إنما هو على: فعل: بفتح الأول وسكون الثاني، لأنه فعل يتعدى مثل ضربه ضربا، وفي الثاني على فعول؛ لأنه غير متعد، بمنزلة الدخول والخروج والمرور، وأما تفسيرهما جميعا فمن الوصف؛ لأن من نسب رجلا فقد وصف بأبيه وببلده وبنحو ذلك، ومن نسب امرأة فقد وصفها بالجمال والصبا والمودة ونحو ذلك، والفاعل منهما: ناسب، والمفعول: منسوب، ومنسوب بها. ومن النسبة قولهم: رجل نسابة، مثل علامة.

<<  <   >  >>