وإذا أمأيت أنا الدراهم وآلفتها، ففعل متعد منك إلى الدراهم مخالف للأول؛ لأن الأول غير متعد، وإن اشتركا في مثال أفعل؛ لأن الهمزة دخلت في الأول لمعنى، وفي هذا لمعنى آخر، وهو نقله من فاعل إلى غيره، وهذه الأفعال مشتقة من أسماء العدد، ووضعت للاختصار، فصار ثلثت الرجل بدلا من قولك: صيرت رجلين بي أو معي ثلاثة رجال، وبدلا من قولك: أخذت من مال القوم الثلث ونحوه، فصار ما اشتق من العدد على بناء الأفعال، مغنيا عنها، ومثل هذا كثير/ في الكلام، منقاس مطرد، وليس هذا الفصل أيضا من باب المصادر في شيء، ولا كان لإدخاله فيها معنى ولا وجه. بل كان يجب أن يكون له باب على حدته؛ إذ لم يذكر معه مصادره التي ذكرناها.
وأما قوله: والطول الفضل، وقد طال عليهم يطول، والطول خلاف العرض ولا أكلمك طوال الدهر، ويروى هذا البيت:- وإن طالت بك الطول- والطيل، والطول الحبل، ورجل طويل وطوال، وقوم طوال؛ فإن الطول، بفتح الطاء مصدر قولك: طال عليهم، فهو يطول طولا، إذا أفضل عليهم، وتطول أيضا تطولا، وهو كما قال. والفاعل منه: طائل. والمفعول: مطول عليه. ومن هذا قيل للشيء الخسيس الدون: إنه غير طائل. وأما الطول، بضم الطاء فاسم بمنزلة الحسن والقبح، يوضع موضع المصدر من فعله، وليس بمصدر؛ لأن مصدره غير مستعمل، وفعله: طال يطول أيضا، على الأول، إلا أن أصل بنائه على فعل يفعل، بضم العين من الماضي والمستقبل، مثل قولك: قصر يقصر؛ لأنه ضده، ومثل: عظم يعظم. وقد يجيء منه متعد، كقولهم: طاولني فطلته، وقال الهذلي في غزال:
تحت بقرنيها برير أراكة وتعطو بظلفيها إذا الغصن طالها
وهو مما لا يتعدى، وهو بمعنى الانفعال، وفيه معنى المبالغة، ولكن اعتلت الواو في طال، فتحولت ألفا؛ لانفتاح ما قبلها، واعتلت في بطول، فسكنت، لانضمام ما قبلها،