للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منهما، واستعمال ما لم تستعمله العرب من ذلك غير خطأ. بل هو في القياس الوجه، وهو في الشعر أحسن منه في الكلام؛ لقلة اعتياده؛ لأن الشعر أيضا اقل استعمالا من الكلام. وأما المستقبل من هذين الفعلين فإنما استعملا؛ لأن الواو تسقط منهما؛ لوقوعها بين ياء وكسرة فيخفان، وذلك قولهم: يذر ويدع وتفتح الدال من يدع؛ لأن بعدها حرفان من حروف الحلق، وأصله يودع. وقد أجرى يذر مجرى يدع، في فتح الثاني منه، وليس فيه شيء من حروف الحلق، ولكن لما كان في معنى يدع وماضيه غير مستعمل، فتح اتباعا ليدع فقيل: يذر، وإنما حقه أن يكسر مثل وزن يزن، وهذا بمنزلة قولهم: يأبى، حين فتحوه وليس ثانيه ولا ثالثه من حروف الحلق، وكان حقه أن يقال: يأبي، بكسر الباء، كما يقال يأتي؛ لأن ماضيه على فعل أيضا، فزعم "سيبويه" أنهم فتحوه من أجل أن فاء الفعل من حروف الحلق، كأنهم غلطوا في ذلك، وهذا بعيد.

وزعم أبو العباس "المبرد" إنما فتح "يأبى" لأنه إذا فتح صار لام الفعل منه من حروف الحلق، يعني الألف، وإن كان لا يكون في الكلام إلا زيادة أو بدلا ولا يعتمد به اللسان على راد، ولكنه هاو. وهذا القول خطأ، وقياسه فاسد؛ لأنه ليس من حروف العلة، إلا وهو إذا انفتح ما قبله، وتحول هو صار ألفا، فلم خص بالفتح من ذوات العلة هذه الكلمة وحدها ومع ذلك فإنه تصير العلة بعد المعلول، إذا كان إنما يفتح من أجل شيء يحدث فيه بعد انفتاحه، وهذا فاسد. وقد قالوا: يذر بالفتح وليست لامه بحرف علة، ولا فيه شيء من حروف الحلق. والعلة عندنا/ في "يأبى" وفتحه أنهم حملوه على ما هو في معناه وفيه حرف حلقي، وهو قولهم: يمنع، كما حمل يذر على يدع، ولو استعمل المصدر من يذر لكان قياسه أن يقال وذرته وذرا وذرة، وكذلك ودعته ودعا ودعة مثل وعدته وعدا وععدة ووزنته وزنا وزنة. وليس هذا من باب المصادر أيضا، ولا ذكر مصدره، ولا من باب الوصف به أيضا. ولكنا شرحناه لذكره إياه.

وهذا آخر تفسير هذا الباب.

<<  <   >  >>