للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على فتحة الهمزة التي حذفها؛ لأنها مفتوحة. ومنهم من يسكنها فيقول: يهريق؛ لمن حركها فلا شك في أنه جعل الهاء عوضاً من الهمزة. ومن أسكنها فإنها على ما قال سيبويه. وأما الهاء التي في الفعل الماضي، فلا يحركونها مع الهمزة في قولهم: أهراق؛ لأنها ليست ببدل من الهمزة. ومن جعل الهاء في هراق بدلاً من الهمزة التي في أراق أبلدها أيضاً في الأمر منها، فقال: هَرِّق، كما قال الراجز:

يا أيها الكاسر عين الأغضن والقائل الأقوال ما لم يلقني

هرق على جمرك أو تبين

فتوهم ثعلب أن هاء هرقت، وهاء هرق، في الأمر، من نفس الكلمة، فأدخل هرقت في باب فَعَلْت؛ بغير ألف، وهو خطأ.

وأما قوله في رعد وبرق في باب فعلت، أنه يقال فيه أيضاً: أرعد وأبرق؛ فإن لكل واحد من هذين معنى يخصه، ولا يكون فعل وأفعل بمعنى واحد، كما لم يكونا على بناء واحد،/ إلا أن يجيء ذلك في لغتين مختلفتين؛ فأما من لغة واحدة، فمحال أن يختلف اللفظان، والمعنى واحد، كما يظن كثير من النحويين واللغويين. وإنما سمعوا العرب تتكلم بذلك، على طباعها، وما في نفوسها؛ من معانيها المختفة، وعلى ما جرت به عاداتها وتعارفها، ولم يعرف السامعون تلك العلة فيه والفروق فظنوا أنهما بمعنى واحد، وتأولوا على العرب هذا التأويل من ذات أنفسهم؛ فإن كانوا قد صدقوا في رواية ذلك عن العرب؛ فقد أخطئوا عليهم في تأولهم ما لا يجوز في الحكمة, وليس يجيء شيء من هذا الباب، إلا على لغتين متباينتين كما بينا، أو يكون على معنيين مختلفين، أو تشبيه شيء بشيء، على ما شرحناه في كتابنا الذي ألفناه في افتراق معنى فعل وأفعل، ومن هناك يجب أن يتعرف ذلك.

وكذلك قوله: وقفت الدابة، ووقفت وقفاً للمساكين، ووقفت أنا، لا يجوز أن يكون الفعل اللازم من هذا النحو والمجاوز على لفظ واحد، في النظر والقياس؛ لما في ذلك من

<<  <   >  >>